رأيت السينما للمرة الأولى فى حياتى، على قطعة كبيرة من القماش الأبيض على جدار مدرستى، بقرية كفر ميت سراج مركز قويسنا، وأنا ما زلت طفلًا فى الصف الثانى الابتدائى، لم يستوعب عقلى الصغير ما يراه، خاصة أننى لم أكن أيضًا قد رأيت بعد، شاشة التليفزيون الذى بدأ بثه قبل سنوات قليلة، رأيت ما عرفت بعد ذلك أنه كان قافلة ثقافية معززة بسيارة مجهزة بتقنيات للعرض والصوت، كان ذلك أمرًا فارقًا فى حياتى، يعادل هبوط الإنسان على سطح القمر، فقد فتح أمامى عوالم سحرية، تذكرت هذه الواقعة وأنا أرى غبار معركة، وضع فيها الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة نفسه فى مرمى نيران الجماعة الثقافية، عندما تبنى، بحسن نية، قرارًا سوف يؤدى فى النهاية إلى إغلاق 120 نافذة ثقافية عبارة عن بيوت ومكتبات مؤجرة، وتوزيع العاملين فيها على إدارات مجاورة ويوم الخميس المقبل سوف يعرض عليه اللواء خالد اللبان رئيس هيئة قصور الثقافة ما تم تنفيذه فى هذا القرار الوزارى. اربأ بالوزير هنو أن يضع فى سيرته الذاتية مثل هذا القرار، الذى سوف يؤدى إلى إطفاء شعلة من مشاعل التنوير، فكل مكان يغلق تفتح مقابله عشرات الحواضن للأفكار المتطرفة، والظلامية، أنا على يقين من أن الكثير منها يعانى من مشكلات جمة متوارثة، ولكن العلاج لا يكون بقطع العضو المريض، إلا اذا وصل الى مرحلة «الغرغرينا»، كنت أتمنى من الوزير هنو أن يقف أمام نواب الشعب طالبًا دعمهم المادى والمعنوى لكى تعود هذه البيوت أو قصور الثقافية الى ممارسة دورها وتحقيق الرسالة التى من أجلها أنشئت.. ولست فى حاجة إلى الحديث عن دور ورسالة قصور الثقافة. بهذا القرار، نحن أمام رسالتين متعارضتين عن موقف الدولة المصرية من الثقافة، الأولى إيجابية تتعامل فيها مع الثقافة باعتبارها من الضروريات مثلها مثل رغيف العيش، عندما قررت أن يكون هناك بقعة ثقافية ممثلة فى مشروع «كتابك» فى كل قرية من قرى مبادرة حياة كريمة التى تحظى بدعم وتوجيه الرئيس عبد الفتاح السيسى، والأخرى التى تأخذ بالإغلاق بدلًا من العلاج، وإيجاد الحلول البديلة.. فمن نصدق؟ وأى القرارين نعتبره رؤية الدولة المصرية لدور وأهمية الثقافة؟ عزيزى الوزير المحترم هنو: لن يتذكر الناس لك أى إنجاز حققته فى تاريخك الوزارى، ولكنهم سوف يتذكرون لك فقط قرارك بإطفاء 120 بقعة ضوء ! تحديث : وعد وزير الثقافة فى احفالية الأعلى للثقافة أمس بثمانينية محمد سلماوى بانه لن يتم اغلاق بيت للثقافة يثبت أنه مؤثر فى محيطه.