كشف موقع "أكسيوس" الأمريكي عن تفاصيل حول اتفاقية وشيكة بين الولاياتالمتحدةوأوكرانيا لاستثمار الثروات المعدنية الأوكرانية بقيمة تصل إلى 500 مليار دولار، في توجه جديد لإدارة الرئيس دونالد ترامب لتحقيق "عائد استثماري" من دعم واشنطن لكييف. كواليس المفاوضات السرية تقترب واشنطن وكييف من إبرام اتفاق بعد مفاوضات شاقة شهدت تقلبات كبيرة، إذ أكد مسؤول أوكراني للموقع الأمريكي أن التوقيع قد يتم في غضون أيام. وبحسب مسودة الاتفاقية التي اطلع عليها "أكسيوس"، تلتزم واشنطن بالحفاظ على "أوكرانيا حرة وذات سيادة وآمنة"، مع إنشاء "صندوق استثماري لإعادة الإعمار" تديره الدولتان بشكل مشترك. وتكشف المسودة عن رؤية ترامب للعلاقات الدولية القائمة على المنفعة المتبادلة، حيث تسعى الإدارة الأمريكية، التي تولت السلطة بعد انتخابات نوفمبر، لاسترداد جزء من نفقاتها المتعلقة ب"الدفاع عن أوكرانيا وإعادة إعمارها". في المقابل، يرى المسؤولون الأوكرانيون في الصفقة فرصة لتأسيس شراكة طويلة الأمد مع واشنطن، خاصة بعد تدهور العلاقات في الأشهر الأولى من ولاية ترامب الثانية. 500 مليار دولار تفرض المسودة على أوكرانيا المساهمة بمبلغ ضخم يصل إلى 500 مليار دولار في الصندوق، على أن تكون مساهماتها ضعف المساهمات الأمريكية. وكشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي أثار غضب ترامب برفضه اقتراحاً أمريكياً أولياً، أن واشنطن تخلت عن مطلبها الأصلي بالحصول مباشرة على 500 مليار دولار من مشاريع المعادن الأوكرانية، وهو مبلغ يفوق بكثير ما قدمته من مساعدات لكييف. وتنص المسودة الحالية على التزام أوكرانيا بدفع 50% من إيراداتها (بعد خصم نفقات التشغيل) من "المواد القابلة للاستخراج" - بما في ذلك المعادن والنفط والغاز - إلى الصندوق المشترك. وأكدت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني أولجا ستيفانيشينا، في تغريدة على منصة "إكس"، أن توقيع الاتفاقية سيظهر "التزامنا لعقود قادمة". معادن شرق أوكرانيا الجائزة الكبرى تتضمن المسودة بنداً خاصاً يشير إلى مشاريع في مناطق "محتلة مؤقتاً من قبل الاتحاد الروسي، في حال تم تحرير هذه المناطق"، في إشارة واضحة إلى أن جزءاً كبيراً من ثروات أوكرانيا المعدنية يقع في الشرق المتضرر من الحرب. وتعد هذه المناطق غنية بمعادن استراتيجية كالحديد والفحم والمنجنيز والتيتانيوم والمعادن الأرضية النادرة، بالإضافة إلى احتياطيات من النفط والغاز. وكان موقع "بلومبرج" أول من كشف عن جوانب من الصفقة المقترحة، مشيراً إلى أن استغلال هذه الثروات قد يحول أوكرانيا من دولة مستهلكة للمساعدات إلى قوة اقتصادية في المنطقة، وهو ما تسعى إليه إدارة ترامب كجزء من استراتيجيتها لتقليل الالتزامات الأمريكية الخارجية. الخلاف حول الدعم العسكري رغم التقدم الملحوظ في المفاوضات، تبقى قضية الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا نقطة خلاف رئيسية، إذ أن المسودة التي اطلع عليها "أكسيوس" لا تتضمن أي التزام عسكري أمريكي محدد، وهو ما يثير قلق الجانب الأوكراني. وقد رفض زيلينسكي بشكل قاطع فكرة معاملة المساعدات المقدمة لأوكرانيا كديون يجب سدادها، مشدداً على ضرورة أن تتضمن الاتفاقية دعماً عسكرياً لمواجهة روسيا. وتنص المسودة على أن وزارتي الخزانة والتجارة الأمريكيتين، إلى جانب مكتب نائب الرئيس فانس، ستعمل على تفصيل ترتيبات الاتفاقية مع وزارة الاقتصاد الأوكرانية بعد توقيع الوثيقة الإطارية الأولية. وقد حددت المسودة مساحات لتوقيعات وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ونظيره الأوكراني أندريي سيبيها، مما يؤكد المستوى الرفيع للاتفاقية وقرب الإعلان عنها. نموذج جديد للسياسة الخارجية الأمريكية تمثل هذه الاتفاقية المرتقبة تجسيداً عملياً لمبدأ "أمريكا أولاً" الذي يتبناه ترامب، حيث تركز على المكاسب الاقتصادية الملموسة بدلاً من الاعتبارات الجيوسياسية التقليدية. وتشير مصادر مطلعة من الجانبين إلى "أكسيوس" أن نجاح هذه الصفقة قد يفتح الباب أمام اتفاقيات مماثلة مع دول أخرى تتلقى مساعدات أمريكية، في إطار توجه واشنطن الجديد نحو "العلاقات الدولية ذات المردود الاقتصادي". وإذا تم التوقيع على الاتفاقية كما هو متوقع، فستمثل تحولاً جذرياً في العلاقات الأمريكية-الأوكرانية، من نموذج "المانح والمتلقي" إلى شراكة استثمارية قائمة على المصالح المتبادلة، في تطور قد تكون له انعكاسات عميقة على مستقبل الدعم الأمريكي للحلفاء حول العالم.