لخص إحسان عبد القدوس (1 يناير 1919- 12 يناير 1990) ما تنطوى عليه درته الأدبية "الوسادة الخالية" فى طبعتها الأولى عام 1955، بعبارة قصيرة يقول فيها "فى حياة كل منا وهمٌ كبيرٌ يسمى الحب الأول.. لا تصدق هذا الوهم، إن حبك الأول هو حبك الأخير" ونظرًا للصداقة التى جمعت بينه وبين عبد الحليم حافظ، تحمس العندليب لتمثيل الرواية التى تعهد بإنتاجها رمسيس نجيب ورشح لها الوجه الجديد لبنى عبد العزيز لأداء دور البطولة، وصلاح أبو سيف لتقديمها سينمائيًا، ولتعرض على الشاشة الفضية للمرة الأولى بدار سينما "ريتس" فى 7 أكتوبر 1957. اقتصرت مقدمة الفيلم على جملة "فى حياة كل منا وهمٌ كبيرٌ يسمى الحب الأول" دون باقى العبارة المذكورة بالرواية المكتوبة، وتم تصوير المناظر الخارجية بضاحية مصر الجديدة وتحديدًا فى شارع "السباق" حيث تسكن بطلة القصة "سميحة" أو لبنى عبد العزيز، بإحدى العمارات المطلة على الشارع، ولا تزال قائمة إلى اليوم، وظهرت حديقة "الميريلاند" التى يقف إلى جوار سورها "صلاح" أو عبد الحليم حافظ، منتظرًا فتاة أحلامه، بمنطقة "غرناطة" التى أسسها البارون إدوارد لويس إمبان البلجيكى الأصل وصاحب القصر الأثرى الشهير عام 1905، وبعد النجاح المدوى للفيلم تحولت تلك الأماكن إلى مزارات تجسد "قصة حب صلاح وسميحة"، أما أطلال المعبد الفرعونى بمدينة "أون" أو "مدينة الشمس" هيليوبوليس الموجود بشمال شرق القاهرة، فتمت محاكاة بعض قطعه وأعمدته الأثرية، بعد تعلل مصلحة الآثار فى ذلك الوقت بأن المكان غير مؤهل للتصوير مع رفضها القاطع الكتابة على الأعمدة، وفقًا لما جاء بسيناريو الفيلم، ولجأ صلاح أبو سيف إلى حيلة استنساخ ذلك الديكور المستوحى من نقوش ما يعرف بعامود "مرنبتاح" لأهمية تلك المشاهد التى جسدت أهم وقائع قصة الحب القوية، أما باقى المناظر الخارجية فتم تصويرها بحديقة "الأندلس" المطلة على النيل، وبجامعة القاهرة. أجر العندليب عن هذا الفيلم بلغ 12 ألف جنيه، وفوجيء فريق العمل به أثناء تصوير المناظر الداخلية بستوديو مصر ونحاس يقود سيارته المكشوفة الفخمة "فورد ثندر بيرد" أمريكية الصنع موديل 1956 بلونها الأحمر القانى، والتى تتمتع بوجود محركين أحدهما يدوى من ثلاث سرعات والآخر أتوماتيكى الأداء من سرعتين، واستعان بها المخرج لتظهر فى مشهد إحضار صلاح لسميحة لترافق زوجته بالمستشفى، كما استعان بها المخرج "حلمى حليم" لتظهر بفيلم "حكاية حب" 1959، فيما عبرت أغانى الفيلم عن تلك الدراما العاطفية بشكل ملفت وصاغ كلماتها الشاعر الصحفى إسماعيل الحبروك (5 يناير 1925- 16 مارس 1961) باستثناء "فى يوم من الأيام" التى كتبها مأمون الشناوى (28 يناير 1914- 27 يونيو 1994) ولحنها كمال الطويل، فيما لحن منير مراد (13 يناير 1922- 17 أكتوبر 1981) أغنية "أول مرة" ومحمد الموجى "مشغول"، وبليغ حمدى "تخونوه"، أما "اسمر يا اسمراني" التى لحنها الطويل وقامت بغنائها المطربة فايزة أحمد وفقًا لما تقتضيه الحبكة الدرامية، ودار حولها لغط كبير رغم مرور سنوات عديدة على نجاحها، وكان من الممكن غض الطرف عن معلومات كثيرة مغلوطة، لولا أنها أصبحت مادة متاحة بكثير من البرامج الإذاعية والتليفزيونية استنادًا إلى ما هو متاح عبر مواقع بعض الصحف، فضلًا عن التباس الأمر على كثيرين ممن اقتحموا مجال التأريخ الفنى فوقعوا فى ترديد الأخطاء ذاتها دون أدنى تمحيص، من ذلك قولهم أن نجاح فايزة أحمد فى أداء الأغنية جعل عبد الحليم يقدمها بصوته دون الرجوع إليها، مما أثار الخلافات بينهما، لاسيما بعد أن قدمت أغنية ساخرة بعنوان "هاتوا لى وابور الحريقة" الأمر الذى تسبب فى زيادة حدة الخلاف بينها وبين العندليب، فكانا يرفضان المشاركة معًا فى أى حفل عام، لكن مع حرب أكتوبر 1973 ذابت الخلافات. وللحقيقة فإن الأغنية كُتبت للعندليب وسجلها فى مستهل إبريل 1956 وأعاد تسجيلها بعد نحو شهر كامل بعد أن داهمه النزيف فى 12 إبريل فلزم المستشفى لنحو أسبوعين، وأجريت له عمليات نقل دم، ولتصدر "اسمر يا اسمراني" فى أسطوانة من إنتاج "كايرو فون" بتاريخ 21 مايو 1956، وفى مساء 27 يونيو 1956 ومن خلال وقائع حفل سلاح الفرسان وفى حضور جمال عبد الناصر، وقف حليم أمام الجمهور ليقدم الأغنية للمرة الأولى لتحقق نجاحًا كبيرًا، وظلت تُطلب منه فى الحفلات بصورة متكررة طيلة 16 شهرًا، قبل أن تعرض بالفيلم بصوت فايزة بناءً على اختيار حليم لها وتفضيله صوتها على غيرها من المطربات، ونظرًا لما تتطلبه دراما الفيلم قرر المخرج أن يقتصر غناء فايزة على مذهب الأغنية ومقطعين آخرين فقط، أى دون الكوبليه الأخير، أما الإدعاء بأن هذه الواقعة تسببت فى عدم مشاركتهما معًا بحفل واحد، فمغالطة أخرى، يدحضها وجود مشاركات عديدة بحفلات أضواء المدينة بمصر وخارجها، ولكن هناك مفارقة جديرة بالتدوين فى هذا المقام، ففى الحفل المقام بدار سينما قصر النيل في 11 إبريل 1957، وقبل أن يظهر فيلم "الوسادة الخالية" إلى النور بنحو ستة أشهر، اختتم عبد الحليم فقرته الغنائية ب "أسمر يا أسمراني" تلبية لرغبات الجماهير، المفارقة تكمن فى أن هذا الحفل أقيم بمشاركة فايزة أحمد، والحال كذلك وقبل أن ينقضى عام 1957 وبعد عرض الفيلم بنحو ثلاثة أشهر، يشدو العندليب بأغنيتى "تخونوه" و"أول مرة" من أغانيه الجديدة بالفيلم، وذلك ضمن فقرات حفل أضواء المدينة المقام بالمحلة الكبرى بمشاركة الفنانة فايزة أحمد. ما حدث أن حليم اتفق مع فايزة على تقديم الأغنية بالفيلم كأسطوانة فقط، ولكن صلاح أبو سيف استعان بممثلة تشبهها لتؤدى الأغنية مصورة على صوتها، وبعد عرض الفيلم عاتبت حليم على عدم طلبها لتصوير الأغنية، فأقنعها بأن اللقطات التى كانت ستظهر خلالها كمغنية قصيرة للغاية، نظرًا لتوظيف الكاميرا لالتقاط ردود أفعال البطلة والبطل على ما يستمعان إليه، وأن مدة ظهورها القصيرة لا تستدعى وجودها، وقال: "لو كنت أرى أن الأمر يستحق لطلبتك.. هو إحنا عندنا كام فايزة؟" واقتنعت بوجهة نظره وانتهى الأمر سريعًا، أما مسألة قيامها بالتغنى بأغنية "وابور الحريقة" وتسببها فى زيادة الخلاف بينهما، فلا تستحق عناء الرد، فالأغنية للمطربة "عفاف عطية" سجلتها بالصوت فقط على صورة الراقصة "كيتي" ضمن أحداث فيلم "أبوعيون جريئة" لإسماعيل يس وزهرة العلا عام 1958 وقد نظمها الشاعر فتحى قورة على وزن الأغنية الأصلية لمرسى جميل عزيز، وأضاف إليها جديدًا، ولحنها بليغ حمدى على لحن كمال الطويل الأصلى وزاد عليه، والذين اختلط عليهم الصوتين رغم الفارق الرهيب بينهما، غير مؤهلين لخوض غمار قضايا فنية لها أهلها.