يظل العقل «المرشد الذاتي» و«قاطرة التغيير» التى تقود الإنسان نحو «النهضة المستدامة». فمنذ خلق الإنسان، كان العقل «نواة الإدراك» و«محور الإبداع»، حيث ساعده على تجاوز حدود الجسد والقدرات الحسية ليصبح رائدًا فى علوم الفضاء. ولم لا؟ والدماغ البشري، بتكوينه المعقد الذى يحتوى على أكثر من 86 مليار خلية عصبية، يتيح «توسيع آفاق الفهم» و«الابتكار المستمر»، ويُعد هذا من «أوجه الإعجاز العلمي» للعقل. وبفضل «المنهجية العلمية» الدقيقة والتفكير النقدي، تمكن العلماء من اكتشاف «الثقوب السوداء»، وهى من الظواهر الكونية التى كانت محط تساؤل لعقود، حتى عام 2019م حين أعلنت وكالة الفضاء الأوروبية وناسا عن أول صورة حقيقية لثقب أسود، وهو «إنجاز علمى ضخم» كشف عن قدرة العقل البشرى على تجاوز حدود المعرفة. وقد أرسى الإسلام مفهوم «العقلانية التأملية»، واعتبر العقل «عماد الاستخلاف» و«أداة لفهم السنن الكونية». ففى القرآن الكريم، نجد دعوة للتفكر: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِى الْآفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ» «فصلت: 53»، وهذه دعوة لتحفيز «الطاقة الفكرية» لفهم الكون. قدمت الحضارة الإسلامية نموذجًا متكاملاً فى التفاعل الثقافى الخلّاق، حيث جمعت بين النقل والعقل من خلال المنهجية التجريبية والبحث الاجتهادي. ومن أبرز هؤلاء العلماء ابن سينا، الذى يُعرف بلقب «الشيخ الرئيس» وصاحب كتاب القانون فى الطب، وابن الهيثم، مؤسس علم البصريات الحديثة وكتابه «المناظر» الذى أثر فى تطور العلوم البصرية. كما كان الإمام الغزالى نموذجًا للفكر الإسلامى الذى يوازن بين العقل والنقل ، مؤكدًا أن العقل ليس خصمًا للوحي، بل أداة لفهمه واستيعاب حقائقه. وفى كتابه إحياء علوم الدين، يُبرز الغزالى هذا التكامل قائلًا: «اِعْلم أن العقل شرط فى معرفة الشرع، فبه يُعرف صدق النبى بالمعجزة، فالعقل كالبصر السليم، والشرع كالشعاع المنير، فالبصر مع فقد الشعاع ظلام، والشعاع مع فقد البصر عَمى. «بهذا التشبيه البليغ، وضع الغزالى العقل كركيزة لفهم الوحى وهداية الإنسان، وحيثما نجد فى العصر الحديث أن تعطيل «القدرة العقلية» يؤدى إلى «الجمود الفكري» و»الانغلاق»، بينما يؤدى تعزيز التفكير العقلانى إلى «التناغم الاجتماعي» و»التعايش الحضاري». وختامًا :العقل هو «بوصلة الإنسانية» التى توجهها نحو المستقبل، فالأمة التى تُقدّر العقل وتستثمر فى «الابتكار المستدام» و»البحث التطبيقي» هى أمة قادرة على خلق نهضة علمية وحضارية شاملة.