في صباح يوم مشمس، كان «عمر» يستعد لمباراة رفقة أصدقائه في أحد الملاعب الخماسية بالقاهرة، كعادته منذ سنوات إذ كان يعشق لعب كرة القدم، ويعتبرها جزءًا من حياته، لم يكن يعلم أن هذا الصباح سيكون مختلفًا تمامًا، فبعد مرور نصف ساعة من اللعب، شعر بألم مفاجئ في صدره، توقف لالتقاط أنفاسه، لكن الأنفاس أصبحت أثقل، والخطوات أبطأ، حتى انهار على الأرض أمام أعين أصدقائه المذهولين. حالة «عمر» لم تكن استثناءً، وخلال السنوات الأخيرة، تصاعدت الأخبار عن وفيات الرياضيين بشكل مفاجئ سواء فى التدريبات أو خلال المباريات. ظاهرة صادمة فتحت بابًا واسعًا للتساؤل حول أسبابها، وتأثير الضغط البدنى والنفسي، ومدى تأثير الفحوصات الطبية الدورية على تجنب مثل هذه المآسي.. «الأخبار» تناقش الأزمة مع الخبراء لمعرفة الأسباب والطرق التى تساعد فى الحفاظ على أرواح ربما تكون مهددة.. وذلك بعد إصدار النيابة العامة نتائج تحقيقاتها فى وفاة اللاعب أحمد رفعت لاعب مودرن سبورت واللاعب محمد شوقى لاعب كفر الشيخ والتى أثبتت أن هناك عوامل وراثية وراء الوفاة وأصدرت توصياتها للجهات الرياضية لتفادى تكرار مثل تلك الحوادث بما يتطابق مع آراء الأطباء الذين حاورتهم "الأخبار" حول القضية. ◄ «التحليل الجيني» ضرورة.. والفحوصات ثقافة غائبة ◄ المجهود البدني الكبير مع فقدان السوائل يؤدي للجلطات ◄ مدرب لياقة: أعباء التدريب في قفص الاتهام في الأشهر الأخيرة، ظهرت حالات الوفاة المفاجئة بين اللاعبين، ولعلها حوادث أظهرت قاسمًا مشتركًا يتمثل في المفاجأة وغياب التحذيرات الصحية المسبقة، ومن أبرزها لاعب فريق كفر الشيخ محمد شوقي. في 19 نوفمبر 2024، لقى شوقى مصرعه خلال مباراة ضد نادى القزازين ضمن منافسات دوري الدرجة الثانية، فبينما كان اللاعب البالغ من العمر 29 عامًا يركض فى الملعب، فقد وعيه فجأة وسقط على الأرض، ورغم محاولات إنعاشه من قبل الطاقم الطبي، فارق الشاب الحياة نتيجة توقف قلبه. شوقي كان لاعبًا مميزًا، عرف بشغفه لكرة القدم وإخلاصه لفريقه، وسبق له اللعب فى أندية مثل غزل المحلة، وهذه الحادثة المؤلمة لفتت الأنظار إلى ضرورة توفير طواقم طبية مجهزة للتعامل مع مثل هذه الحالات الطارئة، خاصةً في الدوريات الأقل شهرة حيث قد لا تتوافر المعدات أو الكفاءات المطلوبة بشكل كافٍ. منظمة الصحة العالمية سلطت الضوء على ظاهرة الوفاة المفاجئة بين الرياضيين ضمن إطار أمراض القلب والأوعية الدموية، والتى تُعد السبب الرئيسى للوفاة عالميًا، إذ تقدر بحوالى 17.9 مليون وفاة سنويًا، وتشمل الأسباب الطبية الرئيسية حالات مثل الأمراض الوراثية كمتلازمة QT الطويلة ومتلازمة بروجادا، التى قد تؤدى إلى اضطرابات كهربائية قاتلة فى القلب لدى الرياضيين الشباب، فضلا عن اعتلال عضلة القلب مثل التضخم غير الطبيعى للعضلة القلبية، وهو سبب شائع للوفاة المفاجئة بين الرياضيين خاصة فى سن المراهقة والشباب. المنظمة شددت على أهمية الكشف المبكر من خلال فحوصات دورية للكشف عن أى مشاكل قلبية كامنة، خاصة بين الرياضيين الذين يمارسون أنشطة عالية الشدة، كما توصى بفترات راحة طويلة فى حال التشخيص بأى أمراض لتجنب أى مضاعفات خطيرة. ◄ اقرأ أيضًا | أول رد فعل من وزارة الرياضة على توصيات النيابة بعد انتهاء تحقيقات وفاة أحمد رفعت ◄ لاعب الكهرباء في مأساة أخرى، توفى محمد عمرو مصطفى، البالغ من العمر 17 عامًا ولاعب نادى الكهرباء للتجديف، إثر أزمة قلبية حادة أثناء تدريباته فى نهر النيل فى 20 يوليو الماضي، ورغم أن التقرير الطبى أشار إلى إسفكسيا الغرق كسبب مباشر للوفاة، لكن الوقائع تشير إلى تعرض اللاعب لأزمة صحية أثناء التمرين، ما أدى إلى فقدانه السيطرة وسقوطه فى المياه، مما أثارت تساؤلات حول أهمية الفحوص الطبية الدورية للرياضيين الشبان، خاصةً فى رياضات تعتمد على جهد بدنى كبير مثل التجديف. ◄ الثقافة الرياضية في هذا السياق، يؤكد الدكتور أحمد أشرف عيسى، استشارى القلب والقسطرة والقلب الرياضى بجامعة عين شمس، ورئيس الجمعية المصرية الأفريقية لأبحاث وأمراض القلب، على أهمية إدراك الرياضيين للفحوصات الطبية اللازمة قبل ممارسة أى نشاط رياضي، مشيرًا إلى أن التوعية بالثقافة الرياضية ليست مسؤولية الطاقم الطبى وحده، بل يجب أن تشمل الرياضيين أنفسهم. ويوضح: «فى أغلب الحالات، تحدث جلطات القلب لدى الرياضيين الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و40 عامًا، ولكن عندما يتعلق الأمر بلاعب شاب، فالأمر يختلف تمامًا». ويضيف أن أحد الأسباب الرئيسية وراء تعرض الرياضيين الشباب لجلطات القلب يعود لعوامل جينية أو وراثية، إذ يكون الجسم مهيأً لذلك، كما أن بذل مجهود بدنى كبير مع فقدان السوائل قد يؤدى إلى تكوين جلطات قلبية التى قد تكون فى الشريان التاجى أو الشرايين الرئوية، مما قد يسبب توقفًا مفاجئًا لعضلة القلب. ويشير إلى أن جلطات الشريان التاجي، خاصة إذا كانت فى الشرايين الرئيسية التى تغذى القلب، قد تؤدى لتوقف عضلة القلب نتيجة خلل جينى فى عملية تجلط الدم، كما نبه إلى احتمال حدوث قصور فى الدورة الدموية التاجية نتيجة مشكلات مثل خروج الشريان التاجى من مكان غير طبيعى أو مروره داخل عضلة القلب، وهو ما قد يؤدى لتقلصات شديدة أثناء بذل مجهود كبير. ◄ التحليل الجيني ويشدد الدكتور عيسى على ضرورة إخضاع الرياضيين لتحليل جينى للكشف عن الاستعدادات الوراثية للإصابة بأمراض مثل تجلط الدم أو تصلب الشرايين، مؤكدًا أن هذا التحليل رغم أهميته، لا يُجرى فى مصر بسبب تكلفته المرتفعة، ولكن بعض المعامل تقوم بإرسال عينات الرياضيين للخارج للحصول على النتائج. وحول الوقاية من التوقف المفاجئ لعضلة القلب، يشير إلى ضرورة إجراء فحوصات دورية للقلب، خاصة قبل البطولات الطويلة، وتشمل الفحوصات المهمة رسم القلب العادى والموجات الصوتية، كما شدد على أهمية تعويض السوائل المفقودة فى حالات الصيام والانقطاع الطويل عن الطعام، مع الامتناع عن التدخين وتجنب صحبة المدخنين. كما نصح الرياضيين بأخذ فترة راحة لا تقل عن أسبوعين بعد الإصابة بالإنفلونزا أو نزلات البرد، وإجراء فحوصات جديدة قبل العودة للرياضة، مؤكدًا على ضرورة التزام مرضى السكر والضغط بتناول أدويتهم بانتظام للسيطرة على حالتهم الصحية، بالإضافة إلى تقليل التوتر والانفعالات. ◄ المراقبة عن بُعد وفى سياق متصل، يقول د. عيسى إنه يتم إجراء اختبارات تحمل القلب والتنفس لبعض الرياضيين المشاركين فى بطولات تتطلب مجهودًا كبيرًا، وتشمل هذه الاختبارات متابعة أداء القلب أثناء الجهد العالى باستخدام جهاز المشى الرياضى وأجهزة لقياس الأكسجين. ويضيف أن الرياضيين الذين أصيبوا بفيروس كورونا يخضعون لفحوصات إضافية مثل الرنين المغناطيسي، بينما يتم استخدام أجهزة مثل «الهولتر» لمتابعة نشاط القلب بدقة، موضحًا أن هذه الأجهزة المتطورة تتيح للطبيب مراقبة قياسات القلب عن بُعد من خلال الإنترنت، مما يساعد على ضمان سلامة الرياضيين بشكل مستمر. ويوضح أن دور مدرب الأحمال مهم للغاية فى رفع الحمل الجسدى للاعب للوصول لقمة جهده، دون أن يحدث له مشكلات صحية، مع عمل الفحوصات اللازمة للتأكد من ذلك، وكذلك ضرورة وجود سيارات إسعاف فى الملاعب وأماكن المنافسات الرياضية، وتدريب الفرق الطبية المتواجدة على الإنعاش القلبي. ◄ الشرايين التاجية على المستوى العالمي، الوفاة المفاجئة بين الرياضيين بسبب حالات طبية مثل السكتة القلبية تُعد من القضايا البارزة فى الرياضة، ووفقًا لدراسات وإحصائيات متعددة، أبرزها الكلية الأمريكية لأمراض القلب، تقدر حالات الوفاة المفاجئة بين الرياضيين الشباب بنحو حالة واحدة لكل 2000 رياضى سنويًا. الأسباب الأكثر شيوعًا تشمل اعتلال عضلة القلب الضخامى بنسبة تصل إلى 36% عالميًا، والتشوهات الخلقية فى الشرايين التاجية بنسبة 17%، واضطرابات النشاط الكهربائى للقلب مثل متلازمة كيو تى الطويلة. بالنسبة للرياضيين فوق سن 35، ترتفع النسبة بشكل كبير وتكون الأسباب الرئيسية هى أمراض الشرايين التاجية المكتسبة، والتى تتفاقم مع تقدم العمر والضغوط البدنية العالية أثناء التمارين والمنافسات. برامج الفحص الطبى وتوفير أجهزة الصدمات الكهربائية «AED» فى مواقع الأنشطة الرياضية تساعد فى تقليل هذه الأرقام بشكل ملحوظ، لكن الوصول إلى هذه التدابير يختلف حسب المنطقة ومستوى التطور الصحي، وفقًا للكلية الأمريكية. ◄ الإجهاد البدني تشير هذه الحوادث إلى وجود أزمة فى رعاية صحة الرياضيين، سواء من حيث الفحوص الطبية الروتينية أو سرعة الاستجابة للحالات الطارئة، ويرى الخبراء أن هناك نقصًا فى الوعى بأهمية الفحص الدورى القلبي، الذى يمكن أن يكشف عن مشاكل صحية خطيرة مثل اضطرابات ضربات القلب أو ضعف عضلة القلب.. بالإضافة إلى ذلك، هناك غياب للتوعية حول مخاطر الإجهاد البدنى الزائد، خاصةً فى الفئات العمرية الصغيرة. ◄ تأثير المنشطات وفى هذا الشأن، يفسر خالد جمال، مدرب لياقة بدنية معتمد، الأسباب المحتملة لزيادة حالات وفاة الرياضيين مؤخرًا، موضحًا تأثير الأعباء التدريبية الخاطئة، والمنشطات، والهرمونات على صحة الرياضيين. يشير جمال إلى أن التمرينات المكثفة بدون تنظيم أو تغذية مناسبة قد تؤدى إلى مشاكل خطيرة، قائلا:»التمرين لعدة ساعات دون راحة، أو رفع أوزان ثقيلة دون الالتزام بنظام غذائى صحي، قد يسبب انخفاضًا حادًا فى الدورة الدموية أو هبوطًا مفاجئًا فى السكر، ويمكن أن يؤدى ذلك فى بعض الحالات إلى الوفاة، خاصة إذا تجاهل الرياضيون إشارات الإنهاك». ويؤكد جمال خلال حديثه ل» الأخبار» أن المنشطات يمكن أن تكون السبب الأكبر لوفيات الرياضيين المفاجأة، موضحًا: «المنشطات، بخلاف الهرمونات، تؤثر بشكل مباشر على القلب، فبينما تساعد على زيادة طاقة الرياضى وتتيح له التمرين لفترات أطول، فإنها تضع عبئًا هائلًا على القلب والجسم، مما يؤدى إلى انهيار مفاجئ». ويرى مدرب اللياقة أن بعض الرياضيين يلجأون إلى مواد مصنعة خصيصًا للاستخدام الحيواني، مثل المنشطات المخصصة للخيول، بهدف زيادة الكتلة العضلية بشكل غير طبيعي، كما تحدث عن استخدام الرياضيين للهرمونات، خاصة هرمونات الذكورة، قائلا:»هذه الهرمونات تعمل على بناء العضلات، لكنها تؤذى الجسم على المدى الطويل، بعضها صناعى بالكامل، وقد تُستخدم مواد خطيرة لتحقيق الكتلة العضلية المطلوبة خاصة للمشاركة فى بطولات كمال الأجسام.» يشدد جمال على ضرورة الالتزام بمتابعة احترافية، خاصة للرياضيين المحترفين، إذ يقول: «يجب على الرياضيين اتباع نظام غذائى مصمم خصيصًا لحالتهم البدنية ومجهودهم التدريبي، وكل جسم يختلف عن الآخر، وبالتالى يتطلب إشرافًا مستمرًا من مختصين، إذ أن التدريب الصحيح والتغذية المتوازنة هما مفتاح الحفاظ على الصحة وتجنب أى مضاعفات خطيرة». ويختتم بأنه مع تزايد هذه الحوادث، تبرز الحاجة إلى تطوير بروتوكولات صحية ملزمة للأندية والاتحادات الرياضية، بحيث يتطلب الأمر فرض فحوص طبية دقيقة قبل كل موسم رياضي، إضافةً إلى وجود فرق طبية مجهزة فى المباريات والتدريبات، كما يجب تشديد الرقابة على التدريب البدنى المفرط، خاصةً بين الرياضيين الشبان. ما حدث مع شوقي، ومصطفى، وعمر، لا يجب أن يُعتبر مجرد مصادفات مأساوية، بل دقّة ناقوس خطر يستوجب التحرك العاجل لضمان سلامة الرياضيين.