توجه الموسيقار بليغ حمدى رفقة زوجته الفنانة وردة والشاعر عبدالرحيم منصور إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون فور سماعه البيانات العسكرية المتتالية المبشرة بالنصر، الذى تأكد فور إذاعة البيان "الخامس" عبر أثير البرنامج العام فى الرابعة وست دقائق من مساء يوم السبت السادس من أكتوبر 1973، العاشر من رمضان 1393 ه، حين هتف صوت صبرى سلامة: "هنا القاهرة.. جاءنا الآن من القيادة العامة للقوات المسلحة البيان التالي: نجحت قواتنا فى اقتحام قناة السويس فى قطاعات عديدة، واستولت على نقاط العدو القوية بها، ورُفِع علم مصر على الضفة الشرقية للقناة.. هنا القاهرة" هدد بليغ بعمل محضر ضد المسئولين عن المبنى الذين لم يسمحوا له بالدخول، ولكن الإذاعى وجدى الحكيم استأذن مدير الإذاعة محمد محمود شعبان "بابا شاروا" لدخول الفنانين الذين توافدوا ليغنوا للنصر، وكانت التعليمات: "السماح بالدخول مع توقيع إقرارات بعدم المطالبة بأى أجر لاحقًا نظرًا لدواعى الحرب وعدم وجود ميزانية لإنتاج الأغاني" وقع بليغ قائلًا: "أنا عايز أغنى لبلدى ومش عايز فلوس" ولحن أغنية "بسم الله.. الله أكبر بسم الله" للمجموعة و"حلوة بلادى السمرا" و"سكة واحدة" لوردة على ذلك السلم. وفى المساء توقفت سيارة عبد الحليم حافظ "فيات 130" والمهداة إليه من "الحسن الثاني" عاهل المملكة المغربية، موديل 1969 والرابعة من نوعها فى مصر، والتف حوله العاملون يهنئونه بالنصر فيما راح يوزع العملات المالية الجديدة الممهورة بتوقيعه منتشيًا بالنصر، وفى ستوديو 46 تلقفه بليغ حمدى وعبد الرحيم منصور والفرقة الماسية ليغنى بفرحة عارمة: "قومتى يا مصر وبعد الصبر وبعد الليل جاى النصر.. قومتى يا مصر وعدى ولدك ورفع علمك جابلك فرحك.. طيِّب جرحك بعد الصبر.. قومتى يا مصر". "رايات النصر" لنبيلة قنديل وعلى إسماعيل، كانت أولى البشارات، أنتجت عام 1972 بفيلم "العصفور" ليوسف شاهين وأذيعت يوم 10 أكتوبر، وللمؤلفة ذاتها والملحن تغنى شادية "رايحة فين يا عروسة يا أم توب أخضر" وتغنى شريفة فاضل رائعتها "أم البطل" تكريمًا لروح ابنها الشهيد ولكل شهداء الوطن، وتصاب بحالة إغماء شديدة أثناء التسجيل، ولكن الفنانة فايزة أحمد لم تتركها حتى أفاقت، قبل أن تشدو بلحنى محمد سلطان "يا صباح النصر يا مصريين" لصالح جودت، و"بحبك يا مصر" لمحسن الخياط، وبدا أن بليغ حمدى فارس ألحان النصر، فمن ألحانه تغنى شادية "عبرنا الهزيمة" لعبد الرحيم منصور، وتغنى "عفاف راضي" "يا قمر خدنى لحبيبي" من كلمات نادر أبو الفتوح، ويلحن للمجموعة "صدق وعده" لعبد الفتاح مصطفى، ومن كلمات كمال عمار يلحن لمحمد عبد المطلب "من نصر لنصر" ولمحمد رشدى "آهو كده ربك عَدِّلها جعلها رضا"، و"أول خطوة فوق أرضك يا سينا" لمحسن الخياط، مؤلف أغنية موفق بهجت "يا جندى بلادى يا بطل". وتغنى المجموعة من ألحان عبد العظيم محمد "حقك معاك" ومن ألحان أحمد صدقى "بالأحضان يا سينا" كلمات محمد كمال بدر، ولحلمى بكر "المعارك وحدتنا" لمحسن الخياط، ومن كلماته وألحان على إسماعيل تغنى المجموعة والثلاثى المرح "الحلوة قالت للقمر" وتغنى المجموعة وثلاثى النغم لهما "يا غنوة مصر" ورائعة كمال عمار ومحمود الشريف "صبرنا و عبرنا" ولحسين السيد "انصرنا يا رب" تلحين محمد الموجى، وتشهد الاستوديوهات حركة دائبة، فيما يلوذ العندليب بأحد المكاتب ليتابع أنباء المعارك، فيبشره المراسل الحربى حمدى الكنيسى العائد للتو من الجبهة بأن جيشنا يكتب تاريخًا جديدًا، فيقفز فرحًا ويصرخ مكبرًا، وعندما نفد البن من بوفيه الإذاعة استضاف العندليب نحو 20 فردًا من الحضور لتناول القهوة والسحور فى بيته، والإفطار فى الأيام التالية، وحينما نفدت كميات السكر، ضحك قائلًا "أنا الشرقاوى اللى عزم القطر وشَرَّب الناس قهوة سادة" وفى اليوم التالى وقف يقود فرقته الموسيقية ويغنى "عاش" لمحمد حمزة وبليغ حمدى، و"لفى البلاد يا صبية" لمحسن الخياط والموجي: "مهرك يا حلوة اللى تاه واللى انسلب.. كان مهر أغلى من الحياة ومن الدهب". وتصدح شهر زاد "سمينا وعدينا" لعلية الجعار وعبد العظيم محمد، وتشدو عفاف راضى مجددًا "تسلمى يا شدة" لسعيد أبو العيلة ومحمود الشريف الذى منح قيثارة الحب «نجاة» لحنه الخالد "من باب الفتوح" لكمال عمار، كما وهبها كمال الطويل لحن "ع البر التاني" لمرسى جميل عزيز، و"النهاردة كل شيء يا بلادى أصبح له معنى" لمجدى نجيب، كما لحن لعفاف راضى "الباقى هو الشعب" لسيد حجاب، واختارته السندريلا سعاد حسنى ليلحن تغريدة أحمد فؤاد نجم "دولا مين"، ويهتف صوت محرم فؤاد "مصرنا يا حرة" لفتحى سعيد والموجى، وتغنى فايدة كامل "ضارب ح نحارب" لعلي أحمد محمد وتلحين مجدى صابر على، و"صوت المعركة" لبخيت بيومى ومحمود الشريف، و"نشيد العبور" لكمال عبد الحليم وعبد العظيم محمد، ويشارك عبد العزيز محمود بلحنه الرائع "آمن بكفاحك وسلاحك" لحسين السيد، وينطلق صوت علية التونسية ليهز أرجاء العروبة "يا حبايب مصر" لمصطفى الضمرانى وحلمى بكر، وتغرد نجاح سلام مع "صوت المآذن" لأحمد عثمان المراغى وأحمد صدقى، أما فريد الأطرش فينهض من فراش المرض ليقدم "وردة من دمنا" للأخطل الصغير. استدعت الإذاعة أغنيات عبد الوهاب المسجلة وأبرزها: "نشيد الجهاد، حى على الفلاح، سواعد من بلادي" لخضوعه لجراحة بالبروستات ألزمته الفراش قبل بدء المعارك، وليكتفى بمتابعة الحدث إذاعيًا مشيدًا بأغنيات النصر والمجموعة بصفة خاصة، أما كوكب الشرق فحجبتها متاعب المرارة والكلى عن الغناء منذ الرابع من يناير 1973، وقرر الأطباء سفرها إلى لندن لإجراء بعض الفحوص فى 16 أكتوبر وحالت ظروف الحرب دون سفرها، وكلفت الشاعر صالح جودت بكتابة أغنية عهدت بها إلى الموسيقار رياض السنباطى ليلحنها، وحالت ظروفها الصحية دون تسجيل تلك الدرة: "قيدوا شموع العيد وغنوا لمصر.. وادعوا لها دايمًا بالعلا والنصر.. الله يزيدك منزلة يا مصر.. يا للى شبابك من جنود الله.. والحرب فى قلوبهم صيام وصلاة.. ودمهم عند الشهادة زكاة.. زى اللى عزَّوا الدين فى غزوة بدر.. طول عمرهم أحرار ولاد أحرار.. متسلحين بالعزم والإصرار.. ساعة ما ناداهم منادى التار.. قاموا فى شهر الصوم وعدوا البحر"، وينوب العندليب عن أحمد شفيق كامل فى إرسال برقية تحذير للجنود "خلِّى السلاح صاحي" على مارش كمال الطويل، كما يغنى "الفجر لاح" لمرسى جميل عزيز وبليغ حمدى، ويختتم أغانى النصر فى منتصف فبراير 1974 ببشارة الأبنودى والطويل بعودة الحبيبة السليبة وسطوع شمس العزة والكرامة فوق ثراها "صباح الخير يا سينا".