كتبت : أسماء ياسر يشهد ملف الدعم الحكومى فى مصر مرحلة مفصلية مع الاتجاه نحو التحول من الدعم العينى إلى النقدى المباشر، هذا التحول يرى خبراء الاقتصاد أنه خطوة حاسمة نحو تحقيق الاستهداف الأمثل للمستحقين وتقليل الأعباء على الموازنة العامة، ووفقا لتقديرات الموازنة العامة لعام 2024/ 2025، فإن الإنفاق على دعم السلع التموينية والخبز يستهلك أكثر من 250 مليار جنيه سنويا، بينما تواجه المنظومة الحالية انتقادات لعدم كفاءتها، وتحديات فى ضمان وصول الدعم لمستحقيه الحقيقيين. وفى ضوء التحديات الاقتصادية المتزايدة يرى خبراء الاقتصاد أن التحول إلى الدعم النقدى يمكن أن يشكل نقلة نوعية، ليس فقط فى كفاءة الإنفاق الحكومي، ولكن أيضا فى تحسين مستوى المعيشة وتعزيز العدالة الاجتماعية، إذا ما تم تطبيقه وفقا لضوابط وإجراءات محددة. اقرأ أيضًا | مصر جاهزة لاستضافة «المنتدى الحضرى العالمى» نوفمبر المقبل أوضح د. وليد جاب الله- خبير التشريعات الاقتصادية أن التحول من الدعم العينى إلى الدعم النقدى ليست مجرد خطوة تغيير فى آلية الدعم بل هى استراتيجية أعمق تهدف إلى تحقيق العدالة فى توزيع الموارد، وتقليل الفجوة بين ما تنفقه الدولة فعليا وبين ما يصل إلى المستحقين، مؤكدا أن التحول إلى الدعم النقدى ليس خيارا غريبا بل هو النموذج المعتمد فى الدول ذات الاقتصاديات المتقدمة مثل الولاياتالمتحدة وأوروبا، لافتا إلى أن مشكلة الدعم فى مصر تكمن فى جزء رئيسى يتمثل فى أربعة عناصر تستهلك نحو 47% من إجمالى مخصصات الدعم، أى حوالى 300 مليار جنيه تشمل دعم الوقود، والخبز، والكهرباء، والمياه، هذه العناصر تشهد تسربا كبيرا للأموال، حيث يذهب جزء منها إلى غير المصريين (10% من السكان) وغير المستحقين من المصريين الأثرياء (15% من السكان)، مشددا على أنه إذا تمت إعادة هيكلة هذا الجزء من الدعم، فيمكن توفير نحو 75 مليار جنيه سنويا، يمكن استخدامها بشكل أكثر فاعلية لدعم الفئات الأولى بالرعاية. وأشار «جاب الله» إلى أن التحول إلى الدعم النقدى يتيح عدة مزايا أهمها تعزيز الاستهداف ليصل الدعم النقدى بدقة إلى المستحقين، بعيدا عن التسرب أو سوء التوزيع، بالإضافة إلى توفير موارد إضافية حيث ستوفر الدولة جزءا من النفقات التى تتسرب إلى غير المستحقين، مما يقلل من اعتمادها على الاقتراض، فضلا عن تحسين السيولة فى الاقتصاد فحينما يحصل المواطن على الدعم نقدا تزداد قدرته على الإنفاق المباشر مما يحفز حركة السوق، كما يتيح أيضا الدعم النقدى للمستفيدين حرية أكبر فى اختيار أولوياتهم واحتياجاتهم سواء كانت سلعا غذائية أو خدمات تعليمية وصحية. مزايا عديدة فى نفس السياق أكد د. عبد المنعم السيد- رئيس مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية أن منظومة الدعم العينى فى مصر، والتى تعتمد على توزيع سلع أساسية مثل الأرز والزيت والسكر بأسعار مدعمة، تعد من أبرز أوجه الدعم الحكومى للمواطنين منذ عقود، ووفقا لأرقام الموازنة العامة لعام 2024/2025 يبلغ حجم الإنفاق على دعم السلع التموينية حوالى 134 مليار جنيه، بينما تُخصص الدولة 125 مليار جنيه إضافية لدعم منظومة الخبز، إلا أن هذه المنظومة تواجه تحديات كبيرة فى ضمان وصول الدعم لمستحقيه، فضلا عن الأعباء الاقتصادية المتزايدة على الموازنة العامة. لذلك تدرس الحكومة المصرية بدء التحول من الدعم العينى إلى الدعم النقدى المباشر مع إمكانية تطبيقه بداية من يوليو 2025، ووفقا للخطط الأولية قد تصل قيمة الدعم النقدى المقترح للفرد إلى 200 جنيه شهريا، وهو مبلغ يتطلب مراجعة فى ظل معدلات التضخم الحالية البالغة 24.5%، لافتا إلى أن هذا التحول ليس بجديد عالميا، إذ تبنته دول نامية عديدة، وأضاف «السيد» أن التحول إلى الدعم النقدى يحمل العديد من المزايا، منها رفع القيود على المستهلك، ويتيح للمواطن حرية اختيار السلع التى يرغب بشرائها، بالإضافة إلى مكافحة الفساد وعدم وجود سعرين للسلع فى النظام العيني، وتخفيض الأعباء على الموازنة وتقليل الضغط عليها، فضلا عن تحفيز كفاءة الأسواق. عدالة اجتماعية موضحا أن هذا التحول يتطلب معالجة العديد من التحديات لضمان نجاح التجربة، وذلك من خلال مجموعة من الضوابط التى يجب أخذها فى الاعتبار أبرزها تحديد الفئات المستحقة، وربط الدعم بمعدلات التضخم، وحماية المستهلك من الاستغلال، إلى جانب مراعاة البعد الاجتماعي، مؤكدا أن معالجة هذه الإشكاليات خطوة حاسمة لضمان نجاح التحول إلى الدعم النقدى كبديل فعال عن الدعم العيني، بما يحقق الاستقرار المالى والعدالة الاجتماعية فى الوقت ذاته. بينما قال د. أشرف غراب- نائب رئيس الاتحاد العربى للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربى بجامعة الدول العربية لشؤون التنمية الاقتصادية إن الاتجاه للتحول من الدعم العينى للدعم النقدى له العديد من المميزات تتلخص فى أنه يقدم للفئات المستحقة للتموين دعما نقديا شهريا يستطيع من خلاله المواطن أن يلبى احتياجاته الأساسية والضرورية من السلع والأغراض الأخرى التى يحتاجها وليس من سلع عينية مفروضة عليه فى التموين قد لا تكون مطلوبة بالنسبة له، وهذا يحقق العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية بين المواطنين، مؤكدا أن الموضوع لازال مطروحا للنقاش والدراسة ضمن جلسات الحوار الوطني. وأوضح «غراب» أن التحول للدعم النقدى يحد من التجاوزات المرتبطة بتوزيع السلع، ويقلل من الضغط على الموازنة العامة للدولة وتقليل العجز، موضحا أنه لابد من الرقابة الشديدة على الأسواق فى حالة تطبيق الدعم النقدى لوقف تلاعب التجار بأسعار السلع، مشيرا إلى أنه من الأفضل أن يكون الدعم النقدى المقدم للفئات المستحقة مرتبطا بأسعار السلع بالأسواق بحيث يمكن زيادته مع مرور الوقت عند ارتفاع أسعار السلع بالأسواق، وذلك لضمان عدم تآكل القوة الشرائية للأسر بسبب التضخم. خطوة إيجابية ومن جانبه أشار أحمد معطى خبير أسواق المال إلى أن التحول من الدعم العينى إلى النقدى يمثل خطوة إيجابية نحو تحقيق عدالة أكبر فى توزيع الدعم وزيادة فعاليته، وميزته الأساسية تكمن فى القدرة على تحديد المستحقين بدقة أكبر، موضحا أن نظام الدعم العينى فى السابق كان عرضة للتلاعب مما أدى إلى وصول السلع لغير المستحقين وبالتالى إهدار الموارد. كما أن التحول إلى الدعم النقدى يساعد فى تقليل الفاقد الناتج عن عمليات التخزين وتلف بعض السلع، ويتيح للمواطن حرية الاختيار بناء على احتياجاته وظروفه المعيشية، مما يحقق رضا أكبر لدى المستفيدين، فعندما يتم فرض سلع معينة على المواطن قد يشعر أحيانا بأنه مجبر على شرائها حتى وإن لم تكن تلبى احتياجاته الفعلية، لكن بالدعم النقدى يمكنه اختيار ما يناسبه.