«أنتم ورثة حضارة عريقة؛ واليوم نرفع لكم قبعات الإجلال والتقدير». جُملة من كلمة قصيرة قالها وزير الثقافة الدكتور أحمد هنو، فى مستهل حفل تكريم الحاصلين على جوائز الدولة خلال ست سنوات ماضية من 2019 إلى 2024؛ نطق بها لسانه وسارت وفقًا لها أفعاله، على مدار أكثر من ساعتين فى المسرح الكبير بدار الأوبرا. غلَّف الاحتفالية قدر كبير من الدفء والحميمية، سواء بين مقاعد الحاضرين أو على خشبة المسرح، حيث استقبل وزير الثقافة المكرمين بمودة ملحوظة، تفاوتت شدتها حسب شخصية المكرَّم ومدى عمق العلاقة بينهما، فكان النصيب الأوفر بالطبع للفائزين بجوائز الفنون، سواء أساتذته منهم أو أصدقاء العمل والمجال، بدءًا من الدكتور أحمد نوار الذى استقبله بالأحضان وفرحة غامرة. ويبدو أن هذه الروح من الامتنان والتبجيل شاعت أضواؤها فى المسرح، وانتقلت إلى مقدِّم الحفل؛ الإعلامى حسين حسنى، الذى تغيَّرت نبرة صوته قليلًا مع أسماء أساتذته فى كلية الإعلام د. حسن عماد مكاوى ود. هويدا مصطفى، وهو ما انتبه له الوزير وثمَّنه، فاستدعى حسنى ليلتقط صورة مع د. مكاوى قبل أن يعود لميكروفونه ويستكمل مهمته. وفى لفتة تعكس تقديرًا لرحلة العطاء الطويلة؛ نزل د. هنو إلى بعض المكرمين الذين تحاملوا على عكازهم أو على «درابزين» السلم، ليأخذ بأيديهم إلى أعلى المسرح دون إظهار استعجال أو حرج، مثل الدكتور جودة عبد الخالق والكاتب إبراهيم عبد المجيد والدكتور على الدين هلال والسفير أمين شلبى. وفى لحظة تكريم الشاعر محمد شهاوي؛ صعد نجله أحمد إلى المسرح ليتسلم الشهادة، لكن الوزير انتبه لوجود الشاعر فى أحد الكراسى بالأسفل، فأسرع إليه يقبله ويناوله تكريمه، فاستقبل الشهاوى ذلك بسعادة بالغة، إذ تجاوزت هذه اللحظة فكرة التكريم، لتعبِّر عن فهم عميق لأهمية الاحتفاء بهؤلاء المبدعين بطريقة تتناسب مع مكانتهم وتجربتهم الثرية. ونظرًا للظروف الصحية أو الرحيل؛ حضر التكريم أبناء العديد من المبدعين، ومن المشاهد اللافتة كان صعود شيرين ابنة الشاعر الراحل فؤاد طمان، التى توجهت نحو صورة أبيها المعروضة على الشاشة، لترسل قبلة، وبعد تسلمها الشهادة التفتت مرة أخرى لتهديها إلى الصورة. الحقيقة أن الحفل تضمن الكثير من اللفتات الإنسانية التى تظهر مدى اهتمام وتقدير د. أحمد هنو بالمبدعين والمثقفين، ولذلك كان غريبًا أن يصدر فى المقابل فعل يبدو مجافيًا لحق مبدعى الأقاليم الذين تغيبوا عن التكريم لأنهم لا يمتلكون ميزة أدباء العاصمة القاطنين قريبًا من دار الأوبرا، أو لم تمكنهم رواتبهم ومدخراتهم من السفر، وهو ما جاء بقلم الشاعر القناوى فتحى عبد السميع، الذى كتب على صفحته بموقع التواصل الاجتماعى فيسبوك: «جاءنى صوت عذب من المجلس الأعلى للثقافة يدعونى إلى احتفالية كبيرة لتكريمى فى دار الأوبرا بمناسبة حصولى على جائزة الدولة العام الماضى، فرحتُ وتخيلتُ أسرتى تشاهد نتيجة تضحياتى لكن المشوار البعيد أيقظنى، فقلت لمحدثتى من المجلس الأعلى: مشوارى طويل ويجب أن أبات ليلة فى القطار (عشر ساعات على الأقل) كى أصل وليلة كى أرجع إلى بيتى، ولا أستطيع العودة فى نفس اليوم فهل هناك استراحة أو ما شابه، فقالت دعنى أسأل. وفى اليوم التالى قالت: لا يوجد مبيت أو بدل انتقال، فقلت أى تكريم هذا الذى أصرف عليه نصف معاشى الشهرى تقريبًا، لماذا أقضى ليلتين فى القطار وأحتاج إلى مثلهما بعد العودة حتى أستعيد عظامى من التعب، صورةٌ على المسرح وأنا أصافح الوزير لا تستحق هذا العناء، صورة مهينة لى فى الحقيقة، هكذا نحن أدباء الأقاليم يجب أن نهز الشجرة من بيوتنا البعيدة وعندما ننجح وتسقط الثمرة لا نستطيع التقاطها». رافقه فى موقفه آخرون من الفائزين فى الأقاليم، فلم يحضر الكاتب الأسوانى أحمد أبو خنيجر ولا أديب دمياط سمير الفيل، وغيرهما، وبالطبع أيقظ ذلك مرارة فى حلق الأدباء خارج العاصمة، والتى لطالما حاولوا التخلص منها. ظهر ذلك فى تعليقاتهم التى تتهم أسلوب إدارة ميزانية وزارة الثقافة بالعشوائية، وعدم الاهتمام بالثقافة والمثقفين، بل واعتبروا فى الموقف إهانة لمبدعى الأقاليم. غير واضح إن كان الوزير على علم بما حدث أم لا، لكن الموقف صدر عن مسئولى المجلس الأعلى للثقافة، فى الوقت الذى تحدث فيه أمينه العام الدكتور أسامة طلعت، عن دور المجلس فى تكريم المبدعين منذ تأسيسه عام 1958، وتعزيز قوة مصر الناعمة من المثقفين والمفكرين والفنانين والأدباء على مدى أكثر من ستين عامًا مضت، وأنه على ثقة بأن ذلك الدور مستمر بما يتفق ومكانة مصر ودورها الريادى فى محيطها العربى والإفريقي. من ضمن تلك القوة الناعمة التى تحدث عنها د. أسامة؛ أدباءنا فى محافظات مصر المختلفة، فهؤلاء يحملون فى كتاباتهم ونصوصهم أصوات مناطقهم وتاريخها وثقافاتها الفريدة، والتى تُعد جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية، وبالتالى احتضان إبداعاتهم ومنحهم الفرص المتساوية فى التقدير والتكريم ليس مجرد ضرورة، بل هو واجب يفرضه التوازن الثقافى الذى يثرى المشهد الأدبى، ويضيف تنوعًا وقوة للحركة الثقافية، ويضمن أن يكون صوت كل منطقة مسموعًا، متجاوزًا حدود الجغرافيا ومناطق النفوذ الثقافى المعتادة. الأمر الآخر؛ هو المفاجأة التى أصابت الحضور بانتهاء الحفل بعد تكريم الحاصلين على جوائز الدولة للتفوق، وقد كان مُنتظرًا أن يصعد إلى المسرح؛ الفائزون بالجوائز التشجيعية، لكن يبدو أن عددهم الكبير حال دون ذلك، وصعد بدلًا منهم كورال مركز تنمية المواهب بدار الأوبرا لتقديم الفقرة الختامية للحفل. ألم يكن يجدر بالوزارة أن تشير فى إعلانها إلى أن الحفل لتكريم الحاصلين على جوائز الدولة (فيما عدا التشجيعية)، لكنها لم تتكلف – مجرد – عناء التوضيح!