غادرت أسرة بليغ عبد الحميد حمدى مرسى المولود بحى شبرا فى 7 أكتوبر 1931محافظة سوهاج إلى القاهرة، ليعمل والده أستاذا للفيزياء بجامعة فؤاد الأول، ولم يحل بينه وبين حبه للأنغام وإجادته العزف على العود فى سن التاسعة، فألحقه بمدرسة شبرا الثانوية، ودرس أصول الموسيقى بمدرسة عبد الحفيظ إمام للموسيقى الشرقية، وتتلمذ على يد درويش الحريرى فعلمه أصول الموشحات العربية، والتحق بكلية الحقوق وبمعهد فؤاد الأول للموسيقى، وشجعه محمد حسن الشجاعى مستشار الإذاعة المصرية على احتراف الغناء، فغنى من ألحان الآخرين "يا ليل العاشقين" لعبد العظيم محمد، "لو كان قلبى خالي" لرءوف ذهنى، "يا باكى من أسى الأيام" لفؤاد حلمى، "يا فجر نورك هل وبان، مظلوم يا طير" ليوسف شوقى، "زى اليومين دول" لمحمد عمر، "ما بقتش أصدق" لمحمد قاسم، وانطلق إلى عالم التلحين عبر صوت فايدة كامل، من خلال أغنيتي: "ليه لأ، ليه فاتني" وأغنية فايزة أحمد "ما تحبنيش بالشكل ده" ورائعة العندليب "تخونوه". تأخر عن موعده مع كوكب الشرق، بعد أن تغنت بلحنه المبهر "حب إيه" فى مستهل ديسمبر 1960، إذ استغرقت مناورته فى ركن سيارته بحديقة بيتها كثيرًا من الوقت، ولاحظت الست أن بيده سلسلة مفاتيح يحركها بين أصابعه، تحمل ماركة سيارة أحلامه "فولكس"، فسألته: ما هذه المفاتيح يا بلبل؟ فقال منتشيًا: مفاتيح سيارتى الجديدة، باركت له وطلبت أن تراها من النافذة، فهالتها تلك "الخنفساء" بالغة الضآلة، فقالت بروحها المرحة المداعبة، وكأنها تؤنبه على التأخير والصخب والجلبة التى أثارها بسيارته "ما طلعتهاش معاك ليه يا ابني؟" ومنذ أن قدمه الموسيقار محمد فوزى إلى كوكب الشرق وهى تطلق عليه لقب "الديك الشركسي" يومها أجلسته إلى جوارها واستمعت إلى لحنه الأول وقررت أن تغنيه، أما أغنية "أنساك" فعهدت بها إلى فوزى، وتصادف أن قرأ بليغ كلماتها فراح يدندنها، واتصل فوزى بالست قائلًا: "بلبل سيلحنها أحسن منى ألف مرة" وبخلاف هذين اللحنين غنت له: "إنّا فدائيون، ظلمنا الحب، كل ليلة وكل يوم، سيرة الحب، بعيد عنك، فات الميعاد، ألف ليلة، الحب كله، حكم علينا الهوى". وصفه كامل الشناوي ب "أمل مصر في الموسيقى" أما هو فكان يعشق موسيقى "فاجنر" و"سيد درويش" وإليه يرجع فضل اكتشاف نخبة من المواهب الغنائية، أمثال: "عفاف راضى، سميرة سعيد، على الحجار، محمد الحلو، ميادة الحناوي" فضلًا عن تلحينه لعمالقة الطرب فى مصر، ولنخبة من المطربين العرب، أبرزهم: "وديع الصافي، سعاد محمد، عبد الوهاب الدوكالي، عبد الهادى بلخياط، صباح، فهد بلان، نجاح سلام، طلال مداح، عليا التونسية، محمد عبده، موفق بهجت، عزيزة جلال، وليد توفيق، ذكرى، أصالة، سمية قيصر، لطيفة" وعرف بموهبته الفطرية وإلمامه بالفلكلور العربى، ورومانسيته وشعبيته وحماسته، وقدم سبائك لحنية متفردة فى مختلف الألوان الغنائية، وتميز بتنوع وثراء إيقاعاته اللحنية، وحسن توصيل موسيقاه إلى جمهور متعدد الثقافات، وتعد ألحانه وموسيقاه علامات فارقة ورقمًا صعبًا يندر تكراره، بتلحينه 1500 أغنية، بخلاف أشعاره الموقعة باسم "ابن النيل" وأشهرها: "رغم البعد عنِّك، الحب اللى كان، أنا بعشقك، سارقين النوم، نفس السؤال، موكب حب، بنلف". ومن جانبه وجد بغيته فى صوت العندليب الذى يعد مطربه المفضل، فلحن له 31 أغنية، أبرزها: "خايف مرة أحب، خسارة، التوبة، على حسب وداد، الهوى هوايا، المسيح، عدى النهار، البندقية اتكلمت، إنذار، قومتى يا مصر، الفجر لاح، الماء والخضرة، أعز الناس، حبيبتى من تكون" وشكلا مع الشاعر محمد حمزة ثالوثًا فنيًا أبدع خلال عشر سنوات مجموعة من الروائع، بينها: "سواح، جانا الهوى، فدائى، زى الهوا، موعود، مداح القمر، حاول تفتكرنى، عاش، بحلم بيوم، ماشى الطريق، أى دمعة حزن لا " واقتبست تلك الألحان فى ربوع أوروبا، وكان يطمح إلى تقديم استعراضات مسرحية مع حليم الذى حالت وفاته دون إتمام الحلم الكبير. تزوج السيدة "أمينة طحيمر" لعام واحد، ووقع فى غرام الفنانة وردة الجزائرية وأراد أن يقدم لها هدية بمناسبة عيد ميلادها، فذهب إلى صديقه الشاعر عبد الرحمن الخميسى فكتب له أغنية "ما تزوقينى يا ماما" وسجلتها مها صبرى فلاقت نجاحًا كبيرًا، وبأجرها قدم هديته لوردة وتزوجها عام 1972 وشكلا معًا ثنائيًا بديعًا، واشترى سيارة "شيفروليه كمارو" تركها بسائقها لتنقلاتها محبة لها، قبل أن ينفصلا عام 1978، وتغنت ب 100 أغنية من ألحانه: أشهرها: "يا نخلتين فى العلالى، أحبك فوق ما تتصور، الربابة، العيون السود، الوداع، حكايتى مع الزمان، مالى، دندنة، وحشتونى، اسمعونى، اشترونى، احضنوا الأيام، بدوب فى الهوا، من بين ألوف، بودعك" فيما تغنت شادية مصر بنحو 75 أغنية من علامات فنه، أبرزها: "مكسوفة، يا روحى أنا، والله يا زمن، اللهم اقبل دعايا، يا عينى ع الولد، أبو عين عسلية، أسمرانى اللون، يا حبيبتى يا مصر، عبرنا الهزيمة، أم الصابرين، خدنى معاك، آخر ليلة، خلاص مسافر، عالى، قطر الفراق، قولوا لعين الشمس، والنبى وحشتنا، الحنة، ادخلوها سالمين"، واتكأ فى بداياته على صوت الحب نجاة فتغنت بأكثر من 70 أغنية من روائعه، أبرزها: "حبك حياتى، سامحنى، مش هاين أودعك، فكَّر يا حبيبى، مسير الشمس، وح تسافر، حبك الجبار، كل شيء راح، قبل هواك، سكة العاشقين، الطير المسافر، ليلة م الليالى، نسى، فى وسط الطريق، أنا بستناك". صدحت الفنانة عفاف راضى ب 60 أغنية من ألحانه أشهرها "والنبى دا حرام، هوا يا هوا، راح وقالوا راح، سلم سلم، ردوا السلام، جرحتنى عيونه السودا، قضينا الليالى، الموانى، عطاشى، تساهيل، لمين يا قمر، دورى، يا قمر خدنى لحبيبي" فيما عادل الفنان محمد رشدى ذلك الرقم وأبرز ألحانه: "تغريبة، لو عديت، طاير يا هوى، ع الرملة، مغرم صبابة، ميتى أشوفك"، وبتكليف من الرئيس السادات لحن للشيخ النقشبندى 15 أغنية دينية، ووفقًا للإذاعى وجدى الحكيم فإن النقشبندى أبدى اعتراضه على فكرة تقديم ابتهالات ملحنة، واتفق مع الحكيم قبل دخول الاستوديو "لو راقنى الأمر سأخلع العمامة، وإن لم أخلعها فعليك التصرف والاعتذار لبليغ" وحين عاد الحكيم إليهما كان الشيخ قد خلع عمامته وجبته، قائلًا: "الواد ده جن مصور"، وتعد قصة وفاة المطربة الشابة "سميرة مليان" فى بيته عام 1984، سببًا فى تنقله بين باريس ولندن لنحو خمس سنوات، إلى أن تمت عودته وتبرئته، بعد تدهور حالته الصحية، وفى مساء 12 سبتمبر 1993 وبمستشفى سان جوزيف بباريس، رحل بلبل النيل وأيقونة الموسيقى العربية عن عالمنا، بعيدًا عن وطنٍ أحبَّهُ وآمن بقضاياه وضمه ثراه.