لجأ وكلاء شركة "بيجو" إلى الفنانة الصاعدة هند رستم فى عام 1950 للإعلان عن أحدث علامات الشركة الفرنسية التجارية والترويج لها فى مصر والشرق الأوسط، وهى السيارة "بيجو 203" إنتاج عام 1948 وتحمل شعار "الأسد" رمز الشركة التى تأسست عام 1842، وتعد ثانى أكبر الشركات الأوروبية فى ذلك الوقت بعد "فولكس واجن" وقامت الشركة بتصوير الفنانة الجميلة بجوار تلك السيارة ذات اللون الأزرق لجذب أعين الجماهير إلى سلعتهم نظرًا لما تتمتع به الفنانة الفاتنة من جمال وأناقة وخفة ظل وقدرة على التأثير فى الجماهير، خاصة أنها لم تكن تفضل سوى البيجو واشترتها لاحقًا بمبلغ 1100 جنيه، فيما اقتنت موديلات عديدة منها أكثر حداثة، إلى جانب سيارة "شيفورليه" امتلكتها عام 1955. اسمها ناريمان حسين مراد رستم، ولدت بحى "محرم بك" بالإسكندرية فى 12 نوفمبر1931، والتحقت بمدرسة "سان فانسان دى بول" وانتقلت إلى القاهرة عام 1946، بعد انفصال أمها عن أبيها وكان ضابطًا فى الشرطة، لتعيش مع أمها وزوجها، وكان طبيبًا يحنو عليها ويدللها، غير أنها كانت تشعر بتعاسة بالغة، فزميلاتها بالمدرسة لهن آباء إلا هى، وكانت تسأل عنه أمها فتقول لها كلامًا طيبًا، فتجرى إلى زميلاتها لتتباهى بأبيها الذى لم تره أبدًا، وكانت تقول لزوج أمها ببراءة الطفولة، إن كل طفلة يأتيها والدها فى المدرسة ليأخذها ويدفع لها المصروفات ويسأل عنها، فيفعل ذلك بنفسه ويتابع أمورها، ويذاكر معها دروسها فى المنزل، ما جعلها تحبه وتعتبره صديقًا تستشيره فى كل شيء، وفى عام 1947 ساقها القدر إلى عالم الفن حيث أعلنت المتحدة للسينما عن مسابقة للوجوه الشابة لاختيار مجموعة من الفتيات للمشاركة فى فيلم "أزهار وأشواك" وتقدمت صديقتها "فاطمة أحمد كمال شاكر" إلى المسابقة ونجحت وعرفت لاحقًا باسم "شادية"، وتصادف أن اصطحبتها معها لتؤنسها فرآها المخرج "حلمى رفلة" فأشركها بالفيلم ككومبارس، واقتصر نطقها على جملة واحدة، كما ظهرت بفيلم "الأب" وأفلام: "نرجس، حب وجنون، الروح والجسد" عام 1948، وبفيلم "غزل البنات" 1949 صحبة الفنانة "ليلى مراد" بخلفية أغنية "اتمخطرى واتمايلى يا خيل" إلى جانب أفلام: "على أد لحافك، صاحبة الملاليم، جواهر" وشاركت بفيلمي: "بابا أمين، العقل زينة" 1950، وفيلمي: "انتصار الإسلام، الدم يحن" 1952، و"طريق السعادة، حب فى الظلام، جحيم الغيرة، اللقاء الأخير" 1953، وفى عام 1954 قدمت 11 فيلمًا، أبرزها: "الستات ما يعرفوش يكدبوا، اعترافات زوجة". فى مستهل رحلتها الفنية تزوّجت من المخرج والمؤلف "حسن رضا" واستمر زواجهما نحو ثلاث سنوات وأنجبت منه ابنتها الوحيدة "بسنت" وتزوجت بعد نحو سبع سنوات من الدكتور محمد فياض الطبيب النابه والرائد الشهير فى مجال التوليد وجراحة النساء وكان يخطو خطواته الأولى نحو التحقق عام 1961، ودفعها حبها له وتقديرها لجهوده الطبية إلى اتخاذ قرار اعتزال التمثيل عام 1979 لتعنى به وبابنتها، وكثيرًا ما كانت تصفه بأنه "ملاك ضل طريقه لحياة البشر، وأنه برنس فى كل تعاملاته، وإنسان بلغ ذروة الرقي" كما كان انتشار ما يعرف بأفلام المقاولات وراء قرار اعتزالها، فلم تستطع التجاوب مع ما يتم تقديمه فى ظل ما أصاب الوسط الفنى والنجوم الجدد من فوضى لم تعهدها من قبل، حيث ذهبت إلى البلاتوه قبل موعدها وانتظرت ساعات إلى أن حضر بطل العمل، وبدلًا من أن يبادر معتذرًا وجدته يقول: "ممكن أدفع لكم تكلفة التأخير" ونظرًا لأخلاقها الرفيعة أكملت الفيلم واتخذت قرارًا نهائيًا بالاعتزال. تقدس هند رستم الملقبة ب "مارلين مونرو الشرق" الحياة الأسرية ولا تشارك كثيرًا بمجالس الوسط الفنى، فهى بيتوتية إلى حد كبير، أما علاقتها بالمخرج حسن الإمام فمحل تقديرها الدائم، ذلك لإيمانه بموهبتها ونقلها من الأدوار الثانوية إلى أداء الأدوار الرئيسية، ومن بين تلك الأفلام: "الملاك الظالم، بنات الليل، الجسد، شفيقة القبطية، امرأة على الهامش، هو والنساء، الراهبة، عجايب يا زمن" وكان يطلق عليها اسم "عند رستم" جراء عصبيتها وتمسكها برأيها الفنى، ورشحها المخرج "حسين كمال" للقيام بدور "فردوس" الذى أدته الفنانة "نادية لطفي" أمام العندليب بفيلم "أبى فوق الشجرة" ولكنها أبدت العديد من الملاحظات على السيناريو، ورفضت أداء دور الراقصة مجددًا مبدية اعتراضها على كثرة القبلات بالفيلم، وقالت إن قيامها بدور شريرة أمام حليم مغامرة من الممكن أن تفقدها محبة جماهيره. لا تعتز بلقب "ملكة الإغراء" وتقول: "الله يسامحه مفيد فوزى هو من أطلق عليّ هذا اللقب" فهى تجيد أداء الشخصيات المتباينة، وشخصيتها الحقيقية تتسم بالجدية والالتزام، وكان يعتريها الغضب إذا ما قالت فنانة معتزلة "إنها تابت عن الفن والتمثيل" لأن الفن لديها رسالة وليس ذنبًا يتوب عنه الفنان، وتروى ابنتها أنها حينما بلغت سن 14 عامًا فوجئت بأمها تغلق شباك بلكونتها نهائيًا، نظرًا لسكن بعض طلبة كلية الهندسة أمام النافذة، وتصفها بأنها "جبارة، تضرب بالأحذية إذا لم يعجبها أى تصرف" تقول بسنت: "عودتنى على عادات وقواعد صارمة، من بينها ألا أضع رجل على رجل أمام الأكبر منى، ولا أجلس مع الضيوف إلا عندما تستدعينى، وأن أتحدث بصوت منخفض، وأوصتنى أكون إنسانة مع الناس، وربتنى على القناعة وعدم الإسراف وتقبل تقلبات الزمن"، والأمر كذلك وصفها الفنان "رشدى أباظة" ب "نونة المجنونة" أما "عمر الشريف" فوصفها ب "الهانم الجدعة" ونعتها الفنان أحمد مظهر بأهم من يمكن وصفهن ب "الست"، أما هى فلم تكن ترهب فى التمثيل أحدًا سوى "محمود المليجي" ووصفته ب "غول التمثيل" ولم تكن تجرؤ أن تناديه باسمه أو تمزح معه على الرغم من طيبته الشديدة، ويرجع إليها فضل إقناع المخرج يوسف شاهين بأداء دور "قناوي" بفيلم "باب الحديد" والذى كان مرشحًا له الفنان صلاح منصور، واعتذر عنه لسفره إلى الخارج. مثلت نحو 85 فيلمًا سينمائيا، ونجحت فى تجسيد مختلف الشخصيات، ومن ينسى: "كوثر" بفيلم "لا أنام"، وعزيزة بفيلمى "ابن حميدو" و"ساحر النساء"، توحة بفيلم "توحة"، هنومة فى "باب الحديد" روحية فى "الأخ الكبير"، طعمة فى "إسماعيل يس فى مستشفى المجانين"، نرجس فى "صراع فى النيل"، بثينة فى "اعترافات زوج"، هانم فى "امرأة على الهامش"، جليلة فى "سيد درويش"، أزهار "الزوج العازب"، عنان "الخروج من الجنة"، سامية "أعظم طفل فى العالم"، ناهد "كلمة شرف"، فتحية "نساء فى حياتي" سعاد هانم "الجبان والحب"، وشفيقة القبطية، وكانت وفاتها على إثر إصابتها بأزمة قلبية فى الثامن من أغسطس عام 2011 بعد صراع قصير مع المرض.