رضوى خليل لم أعتمد على الحظ مطلقاً.. كل خطواتي جاءت بعد جهد ومعاناة ومثابرة، ولم يكن لي أبداً شلة أو واسطة أعتمد عليها سوى الله عز وجل".. هذا ما قاله الإعلامي د. محمد سعيد محفوظ عن مشواره المهني والصحفي ونجاحه فى الوصول إلى أن يكون نائب رئيس قناة ورئيس مركز التدريب بقطاع القنوات الإخبارية ب"الشركة المتحدة" ومستشار رئيس مجلس إدارة "الأهرام" للتطوير التكنولوجي.. حوارنا هذا الأسبوع معه، وأسرار كثيرة عن حياته المهنية، وبرنامجه "العاشرة" على "إكسترا نيوز" في السطور التالية.. في البداية، ما رأيك في الدورة الثانية من مهرجان العلمين؟ "العلمين" محاولة "خارج الصندوق" لإنعاش الاقتصاد، عن طريق استثمار أضخم كنزيْن تمتلكهما مصر: قوتها الناعمة وطبيعتها الساحرة.. والرسالة التي نجحت الدولة في إرسالها للعالم هي أننا قادرون على صناعة الأمل من الألم، والنغم من اللغم، والسلام والمحبة من بقايا الحرب والدمار.. النسخة الأولى نجحت، والنسخة الثانية تبشر بنجاح أكبر، وشيئاً فشيئاً سيتحول الحدث إلى مقصد سياحي وفني عالمي، وسيحجز مكانه في أجندة المصطافين من كل بقاع الأرض، وسيحفظ التاريخ أسماء كل من ساهموا في إنجاحه، وعلى رأسهم قيادات "الشركة المتحدة". لو عدنا للوراء.. كيف كانت شخصيتك وأنت طالب في المدرسة؟ للأسف لم أكن مشاغباً.. وفشلت كل محاولاتي أن أكون كذلك.. كنت تلميذاً منضبطاً، ارتديت نظارة من المرحلة الإعدادية من كثرة القراءة ومشاهدة التليفزيون عن قرب، وكنت لا أغادر المنزل إلا في صحبة والديّ، وليست لي شلة نادي أو شارع، ولا ألعب كرة القدم ولا أفهم فيها، ولا أجيد ركوب الدراجات، وكنت أقضي عطلة الصيف في قراءة الكتب وإصدار مجلات بخط اليد.. كنت أتمنى أن أكون مشاغباً في الطفولة، كي أكون أكثر خبثاً ودهاءً مع الأشرار.. للأسف ما ترونه على الشاشة هو طبيعتي التي نشأت عليها، وورثتها حتى الآن! متى بدأ شغفك بالعمل فى المجال الإعلامي؟ بدأ شغفي بالإعلام وأنا في الثالثة عشرة من العمر.. عرفت الكاتب مصطفى أمين من عمود "فكرة" الذي كان يكتبه يومياً في الأخبار، وكانت أمي السبب في اعتياد قراءته نظراً للقصص والدروس التي كان يحكيها كل يوم، وأغراني العمود بقراءة كتبه ورواياته، ومنها أحببت عشقه للصحافة، فقررت محاكاته، وبدأت في إصدار مجلة بالمدرسة، ثم انضممت لصحف محلية وأنا في المرحلة الثانوية، وكنت أحرر أخبار الحوادث والمدارس، وقررت دراسة الإعلام، وخلال الدراسة قضيت فترة تدريب في صالة تحرير الأخبار بترشيح من أستاذي الكاتب الكبير سعيد سنبل رئيس التحرير في ذلك الوقت. كيف بدأ مشوارك الإعلامي؟ بدأته بالتحاقي ب"الأهرام" عام 1995، ولهذا قصة، فقد لاحظ الكاتب الكبير سعيد سنبل أني بهيئتي المنضبطة والمتأنقة، لا أتناغم مع الطبيعة الشعبية لصحفيي الأخبار خلال فترة تدريبي بصالة التحرير بعد التخرج، فقرر إرسالي ل"الأهرام"، مع خطاب لصديقه الأستاذ ابراهيم نافع رئيس التحرير آنذاك قال فيه: "حامل هذه الرسالة هو هديتي إليك في عيد ميلادك!"، فألحقني إبراهيم نافع للتدريب على الفور بقسم الإخراج الصحفي الذي كنت ماهراً فيه، ثم عينني رسمياً بعد 6 أشهر، وكان عمري وقتها 22 عاماً. بدأت عملك التليفزيوني عام 1998 بمشاركتك في تأسيس قنوات النيل المتخصصة.. ما أهم ذكرياتك خلال هذه الفترة؟ أذكر أن صديق العمر المخرج أحمد عبد العليم أخبرني بفتح الباب لاختبار مذيعين جدد للقنوات المتخصصة، فتقدمت للعمل بالقناة الثقافية، وأجرى معي الإعلامي جمال الشاعر رئيس القناة وقتها مقابلة شخصية، وأخبرني في نهايتها بشرط التفرغ للعمل بالتليفزيون، وهذا معناه الاستقالة من "الأهرام"، وهو ما كنت أرفضه تماماً.. وخطرت على بالي فكرة أن أجري حواراً ل"الأهرام" مع الإذاعية القديرة آمال فهمي لعلها تستشعر موهبتي وتدعمني، وبالفعل قالت لي بعد أن أنتهى الحوار: "أنت موهوب، لماذا لا تعمل مذيعاً بالتليفزيون؟"، وحين حكيت لها القصة، تدخلت لدى الأستاذ حسن حامد رئيس قطاع القنوات المتخصصة وقتئذ، فسمح لي بالعمل دون أن أستقيل من "الأهرام"، معتبراً أن عملي الصحفي هو إضافة لعملي التليفزيوني. كيف ترى التليفزيون المصري الآن؟ "ماسبيرو" قلعة الإعلام في الوطن العربي، وكل التجارب التليفزيونية الخاصة خرجت من عباءته، ومعظم صناع النجاح في القنوات الإقليمية والدولية من أبناء التليفزيون المصري.. وكل ما يحتاجه الآن هو حسن استثمار كوادره، ومواكبة التطور التقني والمهني، وتقييم فاعلية وتأثير بعض أذرعه لإغلاقها أو إعادة هيكلتها.. هذا الصرح به الكثير من الكنوز، التي تنتظر من يخرجها من "القمقم"! ما أهم محطاتك الإعلامية التي تعتز بها؟ أعتز بكل محطة في مشواري المهني.. أعتز بالصحافة الطلابية التي غرست عشق المهنة في قلبي وأنا ما زلت في المدرسة، ثم بالصحافة المحلية التي منحتني الثقة بالنفس، وأفسحت لي صفحاتها وأنا بالمرحلة الثانوية والجامعية، ثم بمحطة "الأهرام" التي علمتني معني الاحتراف، ثم بالتليفزيون المصري الذي صقل موهبتي في التقديم، ثم بقناة "أبو ظبي" التي جعلتني أسافر أكثر من 50 دولة خلال 5 سنوات لتقديم تحقيقات تليفزيونية جريئة، ثم محطة "BBC" التي علمتني القواعد والمعايير المهنية، ثم محطات القنوات المصرية الخاصة، التي أعادتني للجمهور المصري، وجعلتني جزءاً من المسرح السياسي والإعلامي في بلدي، وأخيراً محطة "ميدياتوبيا"، الأكاديمية والمبادرة التي أسستها عام 2014 لغرس القيم المهنية في نفوس أبناء هذا الجيل. كيف جاء عملك في "إكسترا نيوز"؟ يشرفني أني كنت صاحب أول دراسة لإنشاء قناة "إكسترا" عام 2013، وولدت على يدي ضمن فريق بقيادة الزميل محمد هاني عام 2014، واستمر عملي بها مقدماً للتغطيات الإخبارية الأبرز في ذلك الوقت، إلى جانب تقديم برنامج "كلام الناس" حتى أوائل عام 2016، ثم عدت مرة أخرى عام 2022 لتدريب شباب القناة ومذيعي "القاهرة الإخبارية" بدعوة من القيادات المحترمة ل"الشركة المتحدة"، ثم مقدماً لبرنامج "العاشرة" على "إكسترا نيوز"، الذي أعتز به وبفريقه. ما أكثر شيء تحرص على تقديمه في "العاشرة"؟ أحرص مع فريق البرنامج على التفكير دائماً "خارج الصندوق" في كل فكرة نتناولها، ونهتم بأن تكون زاوية المعالجة مختلفة وفريدة، ونميل للتصوير خارج الاستوديو، وأجمل الحلقات التي تمتعني شخصياً هي حلقات الأماكن، التي أصطحب فيها المشاهد للتعرف على قصة مكان، وأبطاله، وأسراره.. كذلك نسعى لمحاورة القامات الإبداعية لإثراء الأرشيف بحلقات خالدة تعيش لأجيال وأجيال. ما الذي يميز محتوى "العاشرة" عن البرامج الأخرى؟ محتوى البرنامج يقوم على إعداده رئيس تحرير هو في الأساس صحفي وناقد وروائي، هو الصديق العزيز حسن عبد الموجود مدير تحرير جريدة "أخبار الأدب" العريقة، والمعد النابه شهاب طارق الصحفي الحاصل على جائزة الصحافة العربية وجائزة هيكل للصحافة عام 2022.. وما يميز المحتوى أنه موجه للشباب في الأساس، ويرتقي بوعيهم في مجالات ثقافية وإبداعية بلغة سلسة وأسلوب جذاب.. ومعيارنا في اختيار الأفكار وطريقة التناول هو ما يجعل الحلقة قابلة للتوريث من جيل إلى جيل. ما أبرز الصعوبات التي صادفتك خلال مشوارك الإعلامي؟ لا يوجد صحفي حقيقي أمضى حياته دون محن.. وأنا خلال مشواري المهني صادفت محناً كثيرة، لكن لعل أصعبها فترات الابتعاد عن الشاشة، حين أشعر أني غير قادر على التأقلم مع السياسة التحريرية كما حدث خلال الغزو الأمريكي على العراق عام 2003، وحين استقلت من "الجزيرة" بعد أيام من انضمامي إليها عام 2011 لتورطها في تزييف مداخلات وهمية من ميدان التحرير وقت أحداث 25 يناير، وحين عارضت تخفيض الرواتب في "CBC" عام 2016، ودفعت ثمن قرار الابتعاد عن الشاشة في كل مرة دون ندم شهوراً أو سنوات من البقاء في الظل، وانخفاض الدخل، وتراجع الشهرة، لكن كنت دائماً أواجه ذلك باستثمار الوقت في مشروعات ذات قيمة، مثل تأليف الكتب وكتابة المقالات، والتدريس الجامعي والتدريب. من أكثر شخص تدين له بالفضل فى نجاحك العملي؟ أدين للكثيرين في أي نجاح أصل إليه، أولهم أمي التي كانت معلمتي في المدرسة، وبفضلها أحببت اللغة العربية، وأبي الذي دعم موهبتي وأخذها على محمل الجد منذ الصغر، وأختي التي أثق في مشورتها وأشاركها كل كبيرة وصغيرة في عملي، وأساتذتي جميعاً، وعلى رأسهم مصطفى أمين وسعيد سنبل، وفي محطة "إكسترا" الحالية أدين بالفضل بعد الله لأحد قيادات التجربة، الذي دعاني للمشاركة، معتبراً أن وجودي المتواضع سيسهم في ضبط أكواد المهنة، على حد وصفه الكريم. شغلت الكثير من المناصب.. ما أكثر منصب تعتز به؟ أعتز بلقب مؤسس مبادرة "ميدياتوبيا"، الذي أحمله منذ 10 سنوات، وهي تجربة عصامية، تحملت فيها وحدي، مع مجموعة من الشباب المكافح عبء الدفاع عن أخلاقيات المهنة، وغرس بذورها في نفوس أبناء الجيل الجديد.. لم أتلق دعماً مالياً من جهة رسمية أو غير رسمية، أو رجل أعمال، أو دولة خارجية.. بل أنفقت مدخراتي، وحفرنا في الصخر كي تبقى هذه التجربة واقفة على قدميها، حتى نالت ثقة الدولة، وصرنا ذراعاً تدريبياً وإنتاجياً للعديد من الوزارات والجامعات والقنوات، وباتت "ميدياتوبيا" قبلة الموهوبين والصادقين في أحلامهم، وأصبح خريجوها يزينون الشاشات ويتصدرون سوق العمل في مختلف المجالات. من الإعلامي الذي اتخذته مثلاً أعلى في حياتك؟ مثلي الأعلى كان وسيبقى الكاتب الكبير الأستاذ مصطفى أمين، الذي لولاه ما أحببت المهنة، وما تحملت ضريبتها الصعبة، ويكفي أنه وضع لي دستوراً أسير على هديه منذ كان عمري 14 عاماً، حين طلبت منه النصيحة، فقال لي: "النجاح في الحياة قصة حب، وبقدر ما تحب المهنة فسوف تنبغ فيها". إلى أي درجة لديك الاستعداد لتقديم أنواع مختلفة تماماً عن البرامج الجادة التي اعتدت تقديمها؟ المذيع الناجح هو القادر على تقديم أي قالب، بشرط أن يكون هادفاً.. وقد قدمت أنماطاً تليفزيونية مختلفة: الأخبار، البرامج الحوارية، التحقيقات التليفزيونية والاستقصائية، برامج الدردشة مع الجمهور، البرامج الصباحية، برامج المسابقات اللغوية والثقافية، وغيرها.. لكن ما لم أجرب حظي فيه هو برامج المنوعات والمسابقات الترفيهية، ولا مانع عندي أبداً من خوض هذه التجربة، إذا توفرت فيها معايير الإنتاج والتسويق الاحترافية. إلى أي حد ترى نفسك محظوظاً مهنياً؟ بالعكس، لم أعتمد على الحظ مطلقاً.. كل خطواتي جاءت بعد جهد ومعاناة ومثابرة، ولم يكن لي أبداً شلة أو واسطة أعتمد عليها سوى الله عز وجل.. ربما أعتبر نفسي محظوظاً فقط لأني عشت تجربة "ميدياتوبيا" مع الشباب، التي منحتني الشعور الدائم بالحيوية والانطلاق والتفاؤل، كما أني محظوظ بمحبة زملائي واحترام المسؤولين والقيادات، وهذه كنوز قدرها الله لي، وأشكره عليها كل يوم. لو سألتك عن محمد سعيد محفوظ الأب.. ماذا تقول عنه؟ ابنتي تدرس اللغات والترجمة في الجامعة، لكني أعتبر كل شباب وفتيات المهنة إخوتي وأبنائي، ولديّ عاطفة أبوية مفرطة، أوزعها حتى على زملائي الكبار أحياناً، كما أشعر بنفس العاطفة تجاه الحيوانات، فأنا أعشق الكلاب والقطط، وأعاملهم مثل الأطفال. من مطربك ونجمك المفضل؟ وردة هي صوت قلبي، وغناء شيرين يحرك مشاعري، وموسيقى عمر خيرت تصاحبني في كل محطات حياتي.. أما في مجال التمثيل فلا زلت أستمتع بمشاهدة عبد المنعم مدبولي وعادل إمام وفؤاد المهندس وإسماعيل ياسين. ما آخر عمل فني شاهدته وأعجبك؟ أشاهد هذه الأيام مسلسلاً ألمانياً من 3 أجزاء بعنوان "Dark"، عن فكرة السفر عبر الزمن، ويبهرني في حبكته الدرامية العمق والترابط والفلسفة، كما أستمتع بتحليل المشاهد إخراجياً، من حيث تكوين الصورة المميز، والإضاءة الغامضة، خاصة أن كثيراً من المشاهد تدور داخل كهوف مظلمة. أخيراً، ما الحلم الذي تسعى لتحقيقه الآن؟ أتمنى أن يسعفني العمر وأنتهي من استكمال أحلامي في صناعة الفيلم الوثائقي، فقد أنتجت خلال الفترة الأخيرة فيلمين في الصومال، أحدهما لقناة "القاهرة الإخبارية"، والآخر لقناة "سكاي نيوز العربية"، وقريباً يعرض لي على إحدى الشاشات العربية فيلم عن أحد أساطير التلاوة، ونجهز حالياً لفيلم عن مذكرات فنان كوميدي تعشقه كل الأجيال.. كما أرجو من الله أن يعينني على الانتهاء من الكتب المعلقة، التي يمنعني الانشغال الدائم من إنجازها، ومعظمها يدور في أدب الرحلات، عن سفراتي المختلفة في كل أنحاء العالم. اقرأ أيضا : «معركة كلامية» بين محمد سعيد محفوظ وسحر الجعارة بسبب «الأزهر»