كتب:أحمد جمال تصوير: أحمد حسن فى الوقت الذى تعانى المسارح الفنية من ندرة العاملين فى تخصصات مختلفة لها علاقة بخروج المُنتَج الفنى فى شكله النهائى إلى النور، واندثار مهن عديدة كانت تعد سمة أساسية تميز فنوننا الشعبية مثل صناعة وتحريك العرائس، خرجت أكاديمية الفنون بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم ممثلة فى قطاع التعليم الفنى بفكرة إنشاء مدرسة فنية تكنولوجية لإثراء تلك المهن مجدداً، وهو ما لاقى قبولاً من جانب الطلاب فى أول عام دراسى للمدرسة. فى مطلع ديسمبر الماضى بدأت الدراسة الفعلية داخل مدرسة ∀الفنون للتكنولوجيا التطبيقية∀، بعد أن أعلنت وزارة التربية والتعليم فتح باب التقدم إليها منتصف أكتوبر الماضي، ليلتحق بالمدرسة 110 طلاب من بين 200 طالب خضعوا لاختبارات ثقافية وفنية ونفسية، لتنطلق المدرسة من داخل مجمع أكاديمية الفنون لتكون إلى جانب عدد من المعاهد والأكاديميات الأخرى المتخصصة فى هذا المجال. تختلف الأجواء داخل المدرسة عن غيرها من المدارس الفنية بفعل وجود مساحات واسعة يستطيع من خلالها الطلاب التعبير عن أنفسهم وقدراتهم، وهى ملحقة بعدد من المسارح التابعة لأكاديمية الفنون التى يتردد عليها الطلاب لتنفيذ الجزء العملى من مناهجهم إلى جانب أن هناك صبغة فنية تطغى على المواد التى يتعلمونها فى التخصصات المختلفة. تتيح المدرسة دراسة تخصصات مختلفة يبدأ الطالب فى اختيار أى منها من الصف الثانى الثانوى ليكون الصف الأول بمثابة دراسة عامة لكافة التخصصات وهي: "تكنولوجيا تركيب وتشغيل أجهزة الإضاءة، تكنولوجيا تركيب وتشغيل أجهزة الصوت، تكنولوجيا تركيب وتشغيل أجهزة التصوير، تكنولوجيا الخدع والمؤثرات الفنية، تكنولوجيا ماكياج وتنكر وأقنعة، تكنولوجيا تصنيع وتحريك ديكور العروض الفنية، تكنولوجيا صناعة وتحريك الدمُى، تكنولوجيا صناعة وتركيب وإصلاح الآلات الموسيقية، تكنولوجيا تفصيل ملابس وأزياء وأحذية العروض الفنية، تكنولوجيا إدارة خشبة مسرح، تكنولوجيا الحرف اليدوية والمنتجات الورقية". فى جولة قامت بها ∀آخرساعة∀ داخل المدرسة قبل ساعات من إصدار مجلس الوزراء قراراً بوقف حضور الطلاب إلى المدرسة لمواجهة انتشار فيروس كورونا، التقينا عدداً من أعضاء هيئة التدريس والطلاب وبعض المتخصصين الذين استعانت بهم المدرسة من معاهد أكاديمية الفنون لشرح الجوانب العملية. فى البداية قالت المهندسة ندى طارق، منسقة ديكور بمعهد الفنون المسرحية: إن المدرسة استعانت بها لتعريف الطلاب بأساسيات المسرح وتكوينه وكيفية التعامل مع الديكورات الخاصة به من خلال مشروعات عملية صغيرة يتدربون عليها داخل الفصل المدرسي. تعتبر ندى أن الديكور المسرحى أصبح من التخصصات النادرة فى ظل وجود عدد كبير من مصممى الديكور من دون أن يكون هناك منفذون لديهم خبرات فى التعامل مع الأدوات والخامات بشكل احترافى، بالتالى تلعب المدرسة دوراً مهماً فى تخفيف الحمل عن المهندسين من خلال مدهم بمنفذين فنيين محترفين لديهم من الإمكانيات ما يجعلهم قادرين على تقديم لوحات فنية على خشبة المسرح. بحسب ما أكد محمد خالد، مدرس المسرح الشعبى بمعهد الفنون المسرحية، وهو أيضاً مدرس الأزياء والديكور بالمدرسة، فإن الطلاب يتعرفون إلى كل ما يرتبط بالديكور والأزياء وطرق تركيبها، ودراستهم فى الصف الأول الثانوى تشمل أساسيات تصميم الأزياء المسرحية التى تختلف بطبيعة الحال عن الملابس العادية، لتكون حسب الحقبة التى يدور فيها العمل الفني. وأوضح أن تخصص تصميم أزياء المسرح يواجه ندرة فى المحترفين الذين يعملون فى هذا المجال، لأن المنفذ فى تلك الحالة يكون عليه أن يتعامل وفقاً لميزانيات العمل الفنى وكيفية إخراج أفضل منتج يتماشى مع تلك الميزانية، مشيراً إلى أن الطلاب لديهم نسب استيعابية مرتفعة ولديهم من الطموح ما يجعلهم يفكرون فى تحقيق نجاحات تفوق مجالات تخصصهم الأساسية. هناك جملة من العوامل التى تساعد على تخريج طالب لديه مجموعة من المهارات الفنية الصناعية المرتبطة بهذا المجال فلا يزيد عدد الطلاب فى الفصل الواحد على 20 طالباً، كما أن الفصول مصممة على أن تكون قابلة للتدريبات العملية إضافة إلى ورش العمل، مع توفير مكتبة فنية للطلاب لدعم معارفهم الثقافية عن الفنون عموماً، بجانب تنظيم زيارات ميدانية دورية لطلاب المدرسة داخل معاهد أكاديمية الفنون، فضلاً عن تواجدهم المستمر داخل متحف الفنون بما يسهل دمج الطلاب فى الأجواء الفنية المحيطة بهم. منحت المدرسة فرصة للطالب بسّام فارس الذى كان يعمل منفذاً إلى جانب أحد أقاربه فى مجال التصوير المسرحي، ليعزز من معارفه الأولية من خلال الدراسة العملية فى المدرسة، مشيراً إلى أنه التحق أولاً بإحدى مدارس الثانوية العامة قبل أن يقرر التحويل لمدرسة الفنون بعد اجتيازه الاختبارات التى عقدتها إدارة المدرسة. وأضاف أن وجود هذه التخصصات فى مدرسة يعد الأول من نوعه فى مصر ويضمن مستقبلاً جيداً للطلاب، بجانب أن المدرسة توفر إمكانيات التدريب العملي، وإن كانت إجراءات مواجهة فيروس كورونا هى العائق أمام إتمام الشق العملي. المخرج محمد شافعي، مدير مسرح القاهرة للعرائس سابقاً، أكد أن المهن المرتبطة بتجهيز مسرح العرائس وتقديم هذا النوع من الفنون تأخذ فى الانزواء والتراجع بشكل كبير، مشيراً إلى أن المهندسين والمنفذين الحاليين اقترب أغلبهم من سن المعاش ولا بديل لهم، بالتالى المدرسة تكون مهمتها إحياء هذه المهن مجدداً، بدءاً من تعليم الطلاب كيفية التعامل مع الديكورات والتشغيل والتركيب، ويكون التركيز فى بداية الأمر على كيفية الإمساك بالمعدات والأدوات ثم إدخال الجوانب التكنولوجية الحديثة. وأوضح شافعي− وهو من ذوى الخبرة الذين استعانت بهم إدارة المدرسة− إلى أن العملية التعليمية تستهدف أيضاً إيجاد فنيين محترفين وراء المخرجين من حاملى الكاميرات، وكذلك بالنسبة للإضاءة وهم سيعملون كمنظمى إدارة مسرح، وكذلك تدريبهم على التعامل مع أجهزة الصوت، إلى جانب صيانة الآلات الموسيقية التى تكون بحاجة إلى فنى لديه معرفة دقيقة بتكويناتها، وجميعها بمثابة مهن ثقافية بدأت فى الاندثار. فيما أكد محمد على المدير التنفيذى للمدرسة، أن فكرة إقامة المدرسة جاءت بعد أن اتضح وجود تخصصات فنية شارفت على الاندثار، تحديداً فى قطاع العرائس والحرف اليدوية المرتبطة بالمجالات الفنية، ما كان دافعاً للتفكير فى تدشين مؤسسة تعليمية معنية بالتعامل مع كافة الصناعات المرتبطة بالفنون لتواكب التطورات التكنولوجية الحديثة فى هذا المجال، وجرى تجهيز المدرسة وافتتاحها فى وقت قياسى خلال أقل من شهرين. وأضاف أن الدراسة تبدأ فى المدرسة منذ الساعة السابعة ونصف صباحاً وحتى الثالثة والنصف عصراً، بما يعادل 35 ساعة دراسية فى الأسبوع موزعة ما بين 15 ساعة لصالح وجود الطلاب فى ورش العمل إلى جانب 20 ساعة موزعة ما بين تدريس المواد الثقافية والمواد الثقافية الفنية، مع إتاحة للطلاب إمكانية التدريب فى إجازة الصيف سيكون مخصصاً للطلاب المبدعين الذين تسعى المدرسة لتنمية مهاراتهم للاستفادة منهم بعد التخرج مباشرة. وأوضح أن خريجى المدرسة سيكون أمامهم فرص لاستكمال دراستهم وهناك تخطيط لأن يكون هناك جامعة أو أكاديمية فنية تستوعب الخريجين الراغبين فى استكمال طريقهم العلمي، وفى النهاية تستهدف المدرسة الوصول إلى خريجين فنانين لديهم سلوكيات الفنانين وليس السلوك الصناعى البحت، بما يساعد على استعادة أمجاد الفنون المصرية. وأشار إلى أن المناهج فى المدرسة تقوم على نظام الجدارات، الذى يربط بين المهارات النظرية وتطبيقها على الأرض بشكل مباشر، ما يساعد فى تحديد مهارات وقدرات الطلاب ليكون توزيعهم على الأقسام المختلفة وفقاً لميولهم والمواد التى حصلوا فيها على تقييمات مرتفعة. وبحسب زمزم محمد إبراهيم، المدير الأكاديمى للمدرسة، فإن رغبة وزارة التربية والتعليم فى تطوير المدارس الفنية والتوسع فى تجربة المدارسة التكنولوجية التطبيقية تلاقت مع رغبة أكاديمية الفنون ومديرها الدكتور أشرف زكى فى سد عجز المسارح والسينمات التى تعانى نقصاً فى بعض الحرف بسوق العمل مثل الحرف الفنية وفنيى الكاميرات والصوت والإضاءة والديكور وتصليح الآلات الموسيقية والماكياج وتصنيع ملابس الباليه لتكون مهمة المدرسة استكمال تلك النواقص من التخصصات. وأضافت أن المدرسة تقدم مِنحاً مالية للطلاب بالتعاون مع بنك المصرف المتحد الذى يقدم للطالب راتبا شهرياً قيمته 300 جنيه، قابلا للزيادة إذا قدم الطالب منتجاً استفاد منه أحد مسارح الدولة، مشيرة إلى أن المدرسة اشترطت تخطى حصول الطلاب على نسبة 75% من مجموع الاختبارات التى تعقدها معهم والتى تركز على ما إذا كان الطالب لديه الموهبة التى تجعله فنانا بالدرجة الأولى قبل أن يكون حاصلاً على دبلوم صنايع.