أكد د. شوقى علام مفتى الجمهورية، أن مقاصد الشريعة الإسلامية تتحقق بتقوى الله (عز وجل) وتزكية النفس بالصيام، لقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ». وأشار إلى أن هذه المقاصد ترمز إلى الجانب الروحي من الإنسان، لأن المرء حين يؤدي الصيام على وجهه الصحيح فإنه يشعر بزيادة درجة إيمانه، وشدة قربه وإنابته إلى الله تعالى، موضحًا أن هناك مقاصد أخرى شرعية تستقى من معالجة الصيام للجوانب الاجتماعية أو الإنسانية، منها التكافل الاجتماعى، والصبر والتجلد على أمور الطاعات. مقاصد الصيام جاء ذلك خلال كلمته بعنوان «الصوم وعلاقته بتحقيق مقاصد الشريعة» بالأمسية الرمضانية التى تنظمها وزارة الأوقاف يوميا عقب صلاة التراويح بمسجد السيدة زينب. وأضاف المفتى أن من المقاصد الأساسية لرمضان أنه شرع ليربى الإرادة فى الإنسان وذلك من خلال ثلاثة أمور.. أولها: كفه عن الشهوات والملذات وعن المعاصى طيلة شهر بكامله، وثانيها: حثه على الاجتهاد فى الطاعات وفعل الخيرات، أما ثالثها: فتوافر الأجواء الإيمانية والنفحات الربانية التى تميز رمضان عن باقى الشهور الأخرى بحيث يجد المرء نفسه ذا إرادة قوية وهمة عالية لا يملكها فى الشهور الأخرى. وقال إن من أهم مقاصد الصيام تحقيق «التقوى» وقد اختتمت أول آية من آيات الصيام بالتقوى: «لعلكم تتقون»، وختم سياق الآيات كلها بالتقوى أيضًا: «لعلهم يتقون»، لتعطى إشارة إلى أن التقوى من أعظم مقاصد الصيام، وهذا يفسر لنا ختام كثير من الآيات بهذه العبادة العظيمة، مُشيرًا إلى أن تحقيق التقوى يصلح جميع شؤون الحياة، كما أنه يهذب النفس، ومما يعين على تحقيق التقوى فى القلب أن يصون الإنسان قلبه كما يصون ماله، ويغذيه بما ينفعه. إخلاص النية وأوضح علام أن من المقاصد الأساسية لرمضان أيضا أنه يربى المرء على الإخلاص الذى يعتبر أساس قبول الأعمال كما قال تعالى: «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» ويتجلى ذلك فى أمرين: الأول وهو مطالبة العبد بالنية فى رمضان وهو شرط أساسى للصيام وأن هذه النية ينبغى تجديدها كل يوم قبل طلوع الفجر لقوله صلى الله عليه وسلم.. من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له». وتابع: "أما الثاني.. كما جاء فى الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به» وقد فسر كثير من العلماء قوله تعالى «إلا الصوم فإنه لي» على أنه عبادة قلما يدخلها الرياء لأن المرء يصوم ولا يطلع عليه إلا مولاه ويبين هذا المعنى ويؤكده قوله تعالى فى بقية الحديث «إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به، يدع شهوته وطعامه من أجلي» أى أن الصائم يقوم بهذه العبادة لوجه الله تعالى مستحضرا مراقبته إذ لا أحد يطلع عليه لو أراد أن يأكل ويشرب". وأكمل: "أساس امتناعه عن الأكل والشرب منبعه مراقبة الله عز وجل وعلى المرء أن يتعلم من هذا الدرس الرمضانى استحضار مراقبة الله فى سائر أعماله كما استحضرها فى شأن الصيام، وذلك مقصد آخر يرتبط بالنية وهو مراقبة الله تعالى". أصحاب الأعذار وأشار إلى أن الحق سبحانه وتعالى منح أصحاب الأعذار رخصة الإفطار، فالله (عز وجل) لا يكلف العبد ما لا يستطيع تحمله، من هنا فالمريض الذى يشق عليه الصيام فيستحب له أن يفطر أخذا بالرخصة، لقوله تعالى: «فعدة من أيام أخر» وذلك إذا كان الصوم يضره أو يؤخر شفاءه أو يضاعف عليه المرض. وكذلك المسافر الذى حل عليه شهر رمضان وهو فى سفر أو أنشأ سفرا فى أثناء الشهر تبلغ مسافته ثمانين كيلو متراً فأكثر، وهى المسافة التى كان يقطعها الناس على الأقدام وسير الأحمال فى مدة يومين قاصدين. وأضاف: "المسافر يستحب له أن يفطر سواء شق عليه الصيام أو لم يشق، أخذا بالرخصة، وسواء كان سفره طارئاً أو مستمرا كسائق سيارة الأجرة الذى يكون غالب وقته فى سفر بين البلدان، فهذا يفطر فى سفره ويصوم فى وقت إقامته، وإذا قدم المسافر إلى بلده أثناء النهار وجب عليه الإمساك بقية اليوم ويقضيه كما سبق، وإن نوى المسافر فى أثناء سفره إقامة تزيد على 4 أيام فإنه يلزمه الصوم وإتمام الصلاة كغيره من المقيمين، لانقطاع أحكام السفر فى حقه، سواء كانت إقامته لدراسة أو لتجارة أو غير ذلك، وإن نوى إقامة 4 أيام فأقل، أو أقام لقضاء حاجة لا يدرى متى تنقضى فله الإفطار لعدم انقطاع السفر فى حقه". وقال: "كذلك الحائض والنفساء، يحرم عليهما الصوم مدة الحيض والنفاس، لما فى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها قالت: «كنا نؤمر بقضاء الصوم» لما سألتها امرأة فقالت.. ما بال الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة؟ فقالت عائشة: «كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة». يفطر ويطعم وقال علام إنه ثبت بالسنة وإجماع المسلمين أن الحيض ينافى الصوم، فلا يحل مع الحيض أو النفاس وكذلك المريض مرضًا مزمنًا لا يرجى شفاؤه ويعجز معه عن الصيام عجزا مستمرا، فهذا يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا بمقدار نصف صاع من البر وغيره وليس عليه قضاء والكبير والهرم الذي لا يستطيع الصوم فهذا يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه. وأكد: "كذلك الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو على ولديهما من ضرر الصيام، فإن كلا منهما تفطر وتقضى قدر الأيام التى أفطرتها، وإن كان إفطارها خوفا على ولدها فقط أضافت مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم، والدليل على إفطار المريض المزمن والكبير الهرم والحامل والمرضع قوله تعالى: «وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين» كما فسرها ابن عباس رضى الله عنهما بذلك".