اليوم، السيسي يشهد موسم حصاد القمح ويتفقد مدينة مستقبل مصر الصناعية    إيهود أولمرت: ما تفعله إسرائيل بغزة يقترب من "جريمة حرب"    الليلة.. صراع بين توتنهام ومانشستر يونايتد على بطل الدوري الأوروبي    مواعيد مباريات الدوري السعودي اليوم والقنوات الناقلة    غرفة عمليات رئيسية و5 فرعية لمتابعة امتحانات النقل الثانوي بالوادي الجديد    العملية استغرفت 5 ساعات.. استخراج مسمار اخترق رأس طفل في الفيوم- صور    سعر الذهب في مصر اليوم الأربعاء 21-5-2025 مع بداية التعاملات    بعد واشنطن.. الاتحاد الأوروبي يرفع العقوبات عن سوريا: آمال كبيرة تلوح في الأفق    جيش الاحتلال يعلن مقتل جندي وإصابة آخر في تفجير منزل بغزة    اليوم.. أولى جلسات طعن المخرج عمر زهران على حكم حبسه    اليوم.. أولى جلسات محاكمة عاطل بتهمة التنقيب عن الآثار    رئيس الإذاعة يكشف تفاصيل وموعد انطلاق إذاعة "دراما FM"    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    بتكلفة 175 مليار دولار.. ترامب يختار تصميما لدرع القبة الذهبية    لينك و موعد نتيجة الصف الأول الثانوي الأزهري الترم الثاني 2025 برقم الجلوس    إسرائيل تواصل هجومها على غزة رغم الانتقادات الدولية    هبوط كبير تجاوز 800 جنيه.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 21-5-2025    أسعار الفراخ اليوم الأربعاء 21-5-2025 بعد الهبوط الجديد.. وبورصة الدواجن الآن    مصرع طفلتين غرقا في ترعة بسوهاج    ثلاثي الأهلي يجتاح قائمة الأفضل ب الدوري في تقييم «أبو الدهب».. ومدرب مفاجأة    الخارجية الفلسطينية ترحب بالإجراءات البريطانية ضد ممارسات الاحتلال في الضفة وغزة    المستشار محمود فوزي: قانون الإجراءات الجنائية اجتهاد وليس كتابا مقدسا.. لا شيء في العالم عليه إجماع    مساعدات عاجلة واستئناف «هدنة غزة».. تفاصيل مكالمة وزير الخارجية الإماراتي ونظيره الإسرائيلي    أفضل وصفات طبيعية للتخلص من دهون البطن    آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفى والإعلامى (2)    محافظ الدقهلية يشهد حفل تجهيز 100 عروس وعريس (صور)    محمد معروف المرشح الأبرز لإدارة نهائي كأس مصر    «غزل المحلة» يعلن مفاوضات الأهلي مع نجم الفريق    الدولار ب49.86 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 21-5-2025    أسطورة ليفربول: مرموش يمكنه أن يصبح محمد صلاح جديد    ملحن آخر أغنيات السندريلا يفجّر مفاجأة عن زواج سعاد حسني وعبدالحليم حافظ سرا    طريقة عمل المكرونة بالصلصة، لغداء سريع وخفيف في الحر    ننشر أسماء المصابين في حادث تصادم سيارتين بطريق فايد بالإسماعيلية    ترامب يتهم مساعدي جو بايدن: سرقوا الرئاسة وعرضونا لخطر جسيم    رسميًا الآن.. رابط تحميل كراسة شروط حجز شقق الإسكان الاجتماعي الجديدة 2025    بعد شهر العسل.. أجواء حافلة بالمشاعر بين أحمد زاهر وابنته ليلى في العرض الخاص ل المشروع X"    محافظ الغربية يُجري حركة تغييرات محدودة في قيادات المحليات    تفسير حلم الذهاب للعمرة مع شخص أعرفه    المستشار محمود فوزي: لا يمكن تقنين الخلو.. ومقترح ربع قيمة العقار للمستأجر به مشاكل قانونية    الخطيب: سعداء بالشراكة الجديدة والجماهير الداعم الأكبر للأهلي    شاب يقتل والده ويشعل النيران في جثته في بني سويف    حدث في منتصف الليل| الرئيس يتلقى اتصالا من رئيس الوزراء الباكستاني.. ومواجهة ساخنة بين مستريح السيارات وضحاياه    مجلس الصحفيين يجتمع اليوم لتشكيل اللجان وهيئة المكتب    رئيس الجامعة الفرنسية ل"مصراوي": نقدم منحا دراسية للطلاب المصريين تصل إلى 100% (حوار)    رابطة الأندية: بيراميدز فرط في فرصة تأجيل مباراته أمام سيراميكا كليوباترا    تحول في الحياة المهنية والمالية.. حظ برج الدلو اليوم 21 مايو    لميس الحديدي عن أزمة بوسي شلبي وأبناء محمود عبدالعزيز: هناك من عايش الزيجة 20 سنة    إرهاق مزمن وجوع مستمر.. علامات مقاومة الأنسولين عند النساء    بمكونات سهلة وسريعة.. طريقة عمل الباستا فلورا للشيف نادية السيد    عضو مجلس يتقدم بطلب لتفعيل مكتب الاتصال الخدمي بنقابة الصحفيين (تفاصيل)    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    نص محضر أبناء شريف الدجوي ضد بنات عمتهم منى بتهمة الاستيلاء على أموال الأسرة    «منصة موحدة وكوتا شبابية».. ندوة حزبية تبحث تمكين الشباب وسط تحديات إقليمية ملتهبة    نائبة تطالب بتوصيل الغاز الطبيعي لمنطقة «بحري البلد» بأسيوط    المدرسة الرسمية الدولية بكفر الشيخ تحتفل بتخريج الدفعة الرابعة    تعرف علي موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل؟.. أمين الفتوى يُجيب    رئيس جامعة أسيوط يتابع امتحانات الفصل الدراسي الثاني ويطمئن على الطلاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أغرب زواج..
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 22 - 07 - 2013

"انطلقت سيارة نائب رئيس الجمهورية في العاشرة مساء إلي الحي الهادئ في قلب القاهرة!.. أمام أحد عمارات جاردن سيتي بالقرب من شاطئ النيل توقفت سيارة نائب الرئيس.. مضى إلى داخل العمارة في خطوات رشيقة.. صعد بالأسانسير إلى الطابق السادس لم يكن نائب الرئيس قد ارتبط بموعد زيارة لصديقه الحميم مهندس الري الكبير.. لكنه اعتاد الزيارات بموعد وغير موعد لأسرة صديقه! أمام الشقة امتدت يده إلى جرس الباب.. لكن صرخة من داخل الشقة جاوزت الحوائط واخترقت الأبواب..
واقتحمت أذنيه.. صرخة تنم عن وجه امرأة وصلت إلى الطريق المسدود مع شريك عمرها!.. تردد نائب رئيس الجمهورية برهة، لكن الصرخة تكررت ثلاث مرات في لحظة واحدة: طلقني.. طلقني.. طلقني!"
ضغط نائب الرئيس على الجرس وهو يلملم تركيزه!
فتح المهندس الكبير باب شقته. وارتمى في عناق طويل مع صديق عمره نائب رئيس الدولة!
ظل مهندس الري يشكو زوجته إلى صديق العائلة.. أصبحت تثور لأتفه الأسباب.. لا تحتمل كلمة من زوجها أو الخادم أو الطباخ.. معظم وقتها تقضيه إلى جوار البيك أب تستمع لإسطوانات أم كلثوم وعبدالحليم حافظ!
ضحك نائب رئيس الجمهورية من شكوى صديقه الذي دمعت عيناه وهو يستطرد في نبرات حزينة:
- "صدقني يا جمال.. لولا أني أحبها لطردتها من بيتي بعد أن بدأت تعاملني كأسير يخشى بأسها.. لولا شعوري بأني أمام امرأة أخرى لا تمت بصلة إلى سلوى بنت الأصول والحسب والنسب لامتدت يدي تصفعها بعد كل خطأ ترتكبه في حقي.. ثقتي يا جمال أنها مريضة.. لا أصدق أن تتنكر امرأة لزوجها الذي كانت تنتظره في شرفة المنزل منذ لحظة خروجه حتى لحظة عودته!
ضحك جمال سالم نائب الرئيس جمال عبدالناصر من شكوى صديقه الذي تحول إلى مراهق استبدت به مشاعره البكر.. لكن زوجة المهندس الكبير وقفت منتصبة.. يملأ وجهها العناد والدموع معا(!).. يغلف نبراتها الحزن والإصرار في لحظة واحدة.. قاطعت زوجها موجهة حديثها إلى جمال سالم قائلة:
- "دعه يطلقني.. لم أعدأتحمل.. كيف يقبل أن يعيش مع امرأة تنازلت عن مشاعرها نحوه!"
هب الزوج ثائرا.. على زوجته علا صوت نائب الرئيس محتدا في انفعال.. يوجه كلماته إلى الزوجين:
- "مستحيل يا جماعة.. حياتكم تقصر العمر.. كل يوم مشاكل وخناق.. ايه اللي صابكم؟! كل واحد يدخل اوضته حالا"!
طلب جمال سالم من صديقه المهندس الكبير أن يرتدي ملابسه فورا ليخرج معه.. أطرق الزوج برأسه إلى الأرض خجلا ثم نهض على استحياء ومضى في ضعف إلى حجرته كأنه جيش يتراجع بقواته منسحبا!
بينما الزوج يرتدي ملابسه اقترب نائب الرئيس من زوجة صديقه وهمس لها بصوت غير مسموع:
- "سوف أجعله يبيت ليلته بمنزل شقيقته.. أرجو أن تنتظريني إلى جوار التليفون!
رفعت زوجة المهندس رأسها في سعادة.. نظرت نحو النائب ثم همست له:
- "ما تتأخرش علي يا جمال!
مضت سيارة نائب الرئيس التي تحمل ثلاثة أرقام فقط فوق لوحتها المعدنية إلى هضبة المقطم.. أسدلت الستائر فوق النوافذ.. واعتدل الصديقان في مقعدهما.. المهندس الكبير ذابل الملامح.. زائغ النظرات.. مكفهر الوجه.. محتقن العينين.. بينما نائب الرئيس يبدو أكثر شبابا من أي وقت مضى!.. تلمع عيناه ببريق مثير يتفجر خداه حيوية ودماء.. هادئ الملامح.. واضح النبرات!
شعر الزوج الذي وضعه كبار قادة الثورة على رأس إحدى الشركات الكبرى أنه لم يكن أسعد حظا من تلك الليلة.. كان يمكن للأمور أن تتحول إلى جريمة أو فضيحة لو لم يكن إلى جواره صديقه الكبير الذي يدخل اسمه الرعب في قلوب الناس.. ارتاح المهندس الكبير إلى وجود جمال سالم إلى جواره في تلك الليلة.. لكن الطريق إلى المقطم لم يكن طويلا مثل الليلة.. كأنه الطريق إلى جهنم.. وكان لابد من حوار بدأه الزوج بسؤال غلبته معه دموعه:
تفتكر أطلقها يا جمال
ده قرارك
تفتكر أنها "اتلمست"؟!
أنا مستعد أعرضها على أكبر مشايخ الجن!
أهي ده التخاريف بعينها!
تفتكر في حياتها رجل تاني؟!
انت عاوز رأيي الست لما تطلب الطلاق ماتدورش على الأسباب النهاية واحدة!
لكن أنا بحبها يا جمال؟!
وهي..؟! المهم أنها تكون لسه بتحبك!
يعني كان ايه حصل أنا عمري ما غلطت في حقها!
اسمع.. أنا عندي اقتراح!
أبوس ايدك ايه هو لازم يا جمال تلاقي حل.. أنا حياتي من غيرها يعني أموت وأنا عايش!
توقفت السيارة الفارهة أمام أحد الشاليهات فوق هضبة المقطم!
داخل الشاليه جلس نائب الرئيس إلى أريكة من الأسفنج بجوار نافذة الشاليه حيث تبدو القاهرة مشرئبة العنق نحو بيوت وشاليهات كبار القوم!.. وجلس المهندس الكبير إلى جوار صديقه ينصت باهتمام وترقب لاقتراح نائب الرئيس.. وراح جمال يقنع صديق عمره بأن يبتعد عن زوجته شهرا.. وخلال الشهر يمحص كل منهما نفسه.. ويراجعها.. ويختبرها حتي يصلا إلى القرار الذي يجب عليهما أن ينفذاه فورا.. إما العودة وإما الطلاق!
صمت المهندس الكبير برهة يهدئ من دقات قلبه المتلاحقة.. بينما استطرد جمال سالم يصف الظروف التي يجب أن تتوافر ليصل كل من الزوجين إلى قرار في هدوء واقتناع.. ممنوع الاتصالات التليفونية.. أو الزيارات.. أو المواعيد.. أو المؤثرات أيا كان نوعها أو سببها أو وسيطها!
سقطت فجأة دمعة ساخنة فوق خدي المهندس الكبير، كأن بركان الحب ينفجر هذه اللحظة من عينيه.. شعر أن الأيام الثلاثين لن تكون إلا دهرا كاملا وسلوى بعيدة عن عينيه.. حاول أن يقنع صديقه نائب الرئيس أن يخفف من "الهدنة" ويخفضها إلى أسبوعين أو ثلاثة على الأكثر.. لكن كلمات جمال سالم كانت حاسمة وحازمة.. نصحه بأن يحتمل مهما كان الثمن فربما كانت النهاية قرارا بالانفصال مدى الحياة!.. أخفي المهندس الكبير رأسه بين راحتيه وجهش ببكاء مسموع - لقد استسلم لاقتراح صديقه وسوف يبتعد عن حبيبة عمره من الليلة.. وعده نائب الرئيس بأن يتصل بزوجته ليعرض عليها نفس الاقتراح ويقنعها بتنفيذه!
تنهد الزوج في حرقة ومازال يغالب دموعه ثم همس لصديقه قائلا:
- "من الليلة سأذهب إلى بيت شقيقتي.. أرجوك يا جمال أن تتصل بها كثيرا.. أعرف أنها تحترم رأيك وتقدره.. وأن لك عليها تأثيرا كبيرا.. لا تتركها كل هذه الأيام تفكر وحدها يا جمال.. أرجوك اتصل بها كثيرا وحاول تقنعها.. أنا مستعد أدفع عمري كله علشان ترضى عني ونعيش في بيتنا لحد ما أموت.. أرجوك يا جمال!
ومضت الأيام تجري نحو اليوم الموعود!
كان نائب الرئيس قد اختفى تماما عن صديقه.. تظاهر بانشغاله في قضايا الدولة.. واجتماعات قادة الثورة.. وقرارات حماية المكاسب الوطنية من أعداء الأمة..! حاول نائب الرئيس ألا يجمعه اللقاء بصديقه المهندس الكبير.. تجاهل مكالماته التليفونية.. اعتذر عن المواعيد التي حملها إليه رسل صديق عمره.. رغم ذلك كله لم يكن بعيدا عن أدق تفاصيل "الحكاية" وأخبارها وتطوراتها علم أن الطلاق قد وقع بين الزوجين العاشقين.. وأن صديق عمره بكى أمام المأذون كما يبكي المحكوم بإعدامه أمام عشماوي.. قالوا له إن المهندس الكبير جلس أمام المأذون مصفر الوجه، مرتجف الأطراف تائه العينين.. وأنه كان يردد كلمات الطلاق خلف المأذون كما لو كان ينزف دما من لسانه!.. علم أيضا ان المهندس الكبير منذ لحظة الطلاق يلازم فراش المرض بمنزل شقيقته.. رفض أن يعود إلى شقته التي رحلت عنها زوجته بعد طلاقها.. رفض حتى أن يجمع منها أشياءه وحاجياته الضرورية.. توقف عن العمل.. ساءت صحته.. يبدو كما لو كان مشلول الجسد واللسان!
ذات يوم فكر نائب الرئيس في زيارة صديق عمره.. لكن سرعان ما طرد الفكرة من خاطره دون رجعة!.. كانت أخبار المهندس الكبير تصل إلى صديقه في مكتبه بقصر عابدين يوما بيوم.. بينما أخبار "سلوى" تصل لحظة بلحظة!
كانت سلوى قد هجرت عش الزوجية الذي شهد أجمل سنوات عمرها فور طلاقها إلى منزل أسرتها بالإسكندرية.. حملت أشياءها وحاجياتها في فرحة سجين يغادر زنزانته.. أسرعت إلى سلم العمارة كطفل ينطلق إلى اللعب واللهو.. ركبت سيارتها وكأنها بساط الريح الذي سيعبر بها الأفاق إلى دنيا كانت تحلم بها!
لم تتذكر "سلوي" طليقها سوى في الليلةالثالثة عشر بعد الطلاق!
كانت ليلة الذكرى العاشرة لزواجها من المهندس الكبير. تذكرته في العام الماضي عندما ظل اليوم كله إلى جوارها في منزلها بجاردن سيتي.. منذ الصباح لم تكن مفاجآته لها قد انقطعت.. نقل ملكية الأرض التي ورثها عن أبويه إليها.. قدم لها علبة المجوهرات الثمينة التي زينها رقم عشرة بالقطيفة الحمراء.. كان المهندس الكبير هو الزوج الوحيد الذي اعتاد أن يقدم "شبكة" جديدة في كل أعياد زواجه من المرأة التي استولت على قلبه ومشاعره.. كانت ذكريات العام تتدفق أمام عيون سلوى كأنها خنجر مدبب غرزته الذكري في قلبها!
ظلت أرقة طوال ليلتها.. اصطحبت شقيقها الصغير إلى الشاطئ المواجه لمنزل أسرتها.. لكن الليل كان عنيدا.. بطيئا.. قاسيا.. أمواج البحر تبدو كما لو كانت تنطلق من تنهيداتها المحترقة.. حاولت أن تقنع نفسها بأن الطلاق كان هو الحل الأوحد لتبقى امرأة شريفة طاهرة.. يتحاكى الناس بسيرتها.. لم يكن يرضيها أن تكون هي نفسها السهم الذي يغتال مشاعر زوجها.. لكنها ادركت في لحظة عقل طالت بها ان اغتيال قلب زوجها أرحم من خيانته!.. أهون من أن يغتال رجل آخر جسدها!
قرب الفجر شعرت أن المعجزة قد وقعت!
أحست فجأة أن كل ذكرياتها تراجعت.. انسحبت.. توارت.. لم يعد باقيا من ذكرى زواجها سوى أن تغلق هي الملف بيدها.. وتمضي إلى شقتها لتنتظر مكالمة الصباح.. لا شىء يحول امرأة من ضعف إلى قوة.. ومن قوة إلى جبروت.. سوى حب جديد!
دق جرس التليفون في الصباح!
رفعت سلوى السماعة في لهفة.. على الطرف الآخر من الخط سمعت صوته.. كاد قلبها يقفز من صدرها.. ارتعشت السماعة في يدها وهي تنصت لكلماته.. كان حبيبها يؤكد لها أنه لن يستطع أن يؤجل زواجهما أكثر من ذلك.. صرخت في فرحة تقول له: "لازم نستحمل شهور العدة".. "خلاص باقي ستة أيام!".. لم يتردد حبيب عمرها.. قال لها في لهفة: "إذن نتزوج بعد سبعة أيام.. سوف اتخذ الترتيبات من اليوم سأقيم لك حفلا اسطوريا.. مصر كلها سوف تحضر لتبارك لك يا عروسة!"
طارت سلوي من الفرحة.. اقتحمت حجرة والدتها وهي تصيح فيها بأن حلم العمر سوف يتحقق بعد سبعة أيام فقط.. سوف تصبح حرم نائب رئيس الدولة.. وربما خدمها الحظ فأصبحت خلال سنوات قليلة حرم رئيس الجمهورية!
صاحت أمها بعد أن أذهلتها المفاجأة التي كتمتها عنها ابنتها "جمال سالم" يا سلوى؟!.. احنا قد المقام دول ناس كبار يا بنتي.. لأ يا سلوى فكري يا بنتي!"
ردت سلوى وهي تضع ساقا فوق ساق وابتسامة عريضة ترتسم فوق وجهها:
- يا ماما.. الحب مفهوش ناس كبار. كل الناس الكبار عندهم ستات أكبر منهم!
أذاعت سلوى الخبر الخطير بعد أن أذن لها الرجل الكبير!
أصبحت قصة الحب الرقيقة سطورا في تقارير أجهزة الأمن رفيعة المستوى.. وحكاية يتناقلها الناس.. وخبرا انتظرت الصحف السماح بنشره!
لم تصدق سلوى عينيها وهي تشاهد كروت الدعوة إلى حفل الزفاف.. وقفت أمام المرآة تتخيل نفسها في "الكوشة" للمرة الثانية.. في المرة الأولى كانت تزف إلى مهندس من آلاف المهندسين في مصر.. وهذه المرة تزف إلى الرجل الثاني في الدولة - نائب رئيس الجمهورية.. في المرة الأولى لم يحضر الحفل سوى بعض الأقارب والمعارف وكان أبرز الحاضرين ضابط برتبة عميد..
وفي المرة الثانية سوف يتوافد على الحفل الكبير كل الوزراء وكبار المسئولين وقادة الجيش والشرطة وسوف يكون أبرز الحاضرين رئيس الجمهورية وزعيمها جمال عبدالناصر.. وفي المرة الأولى أحيت الحفل "عوالم" شارع محمد على.. وفي المرة الثانية سوف ترقص لها سامية جمال وتحية كاريوكا ويغني عبدالحليم وعبدالوهاب ويقدم فقرات الحفل كبار الفنانين ونجوم الصحافة والأدب والرياضة في مصر!
كانت سلوى قد استردت جمالها بعد أيام من طلاقها.. حاولت صديقاتها أن يخرجنها من بيت أسرتها.. لكنها أبت أن تخرج منه إلا وهي تتأبط ذراع الرجل الذي ضحت من أجله بأجمل سنوات عمرها.. أو هكذا كانت تظن.. زمان عندما تقدم لها مهندس الرى لم تستكثر جمالها الصارخ عليه.. جذبها إليه قوة شخصيته.. وطموحاته التي لا تنتهي.. ومستقبله الذي ينبئ عن مناصب مرموقة سوف يشغلها.. فقد كان مهندس الري من أبرز مؤيدي الثورة.. وأقرب الأصدقاء إلى قلب كل الثوار.. ساندهم بشدة.. وأحاطوه برعايتهم.. كانت سلوى تهيم بغرامه.. وكان يغير عليها من الهواء.. المرة الوحيدة التي اصطحبها فيها إلى نادي الجزيرة أحدثت انقلابا في مقاييس الجمال بين الأوساط الراقية.. سحبت البساط من تحت أقدام حسناوات النادي.. أثارت غيرة بنات الذوات.. كان تفوقها واضحا في كل الساحات التي تتنافس فيها النساء.. أكثرهن فتنة.. وأشدهن أنوثة..
لم تكرر المحاولة واعتكفت في منزلها.. كانت تهوى الموسيقي والقراءة وتستعذب ساعات الانتظار الطويلة لزوجها المهندس الذي أصبح أحد كبار رؤساء الشركات في مصر.. حتى كان العام الأخير من زواجها عندما بدأ زوجها يرفض السهر بعيدا عنها.. واكتفى بدعوة صديق عمره نائب الرئيس إلى أن يقضيا كل ليلة معا في المنزل الهادئ بجاردن سيتي!
وتكررت اللقاءات!
لم يخطر ببال الزوجين أن تصطدم سفينتهما الجميلة بصخرة منيعة تمزقها أشلاء وبقايا.. وأن نفس المرأة التي اختارت مهندس الري بعواطفها ليقاسمها حياتها.. سوف تختار فارسا آخر يطرد أهل الدار ويفرض عرشه!
شعرت سلوى أن التفكير في الماضي لم يعد سوى عبث!.. حملت كروت الدعوة إلى حفل الزفاف ودارت حول نفسها ترقص في نشوة!
لم يعد باقيا على حفل زفاف جمال سالم من عروسه سوى ساعات!
نشرت الصحف الخبر في سطور سريعة دون أن تذكر شيئا عن سيرة العروس!.. واستعد كبار رجال الدولة والوزراء لحضور الحفل الأسطوري بالإسكندرية.. ما عدا جمال عبدالناصر الذي ألقى بكارت الدعوة فوق مكتبه بعد أن علم التفاصيل التي سبقت بالزواج!
سرح الرئيس بخاطره لحظات يسترجع صورة جمال سالم وتصرفاته في الأيام الأخيرة!
لقد تحول جمال سالم إلى إنسان آخر.. تبدلت طبائعه.. لم يعد يميل إلى العنف والبطش.. لم يعد يعشق الاطلاع على قوائم أجهزة الأمن والاعتقالات اليومية لأعداء الثورة!.. الرجل الذي كان مرعبا أصبح لطيفا يداعب الجميع.. الرجل الذي اعتاد إصدار الأوامر الحادة اعتاد في الأيام الأخيرة أن يمازح الآخرين.. العينان القاسيتان ملأهما حنان متدفق.. اللسان الجارح السليط أصبح ناعما كأنه لسان شاعر!
هل فعل الحب بنائب الرئيس ما عجز عنه أقرب الناس!
لقد دخل العديد من الخصومات مع القوى السياسية بسبب انفلات أعصابه ولسانه وحدة مزاجه وتعصبه للأفكار. والآن بدأ يميل إلى المهادنات والمصالحات.. ظل عمره يكافح ويناضل ليرتقي إلى أعلى المناصب وليلة اختياره نائبا لرئيس الجمهورية.. لم ينم ليلتها من الفرحة والآن يبدو مشغولا بما هو أعظم من كل المناصب التي لعبت برأسه.. وداعبت خياله!..
لابد أن ثورة عنيفة قد هزته من الداخل ثورة لم يكن هو أبرز رجالها كثورة يوليو.. لكنها ثورة قادها قلبه الذي لم ينبض من قبل.. لا أحد يعرف جمال سالم يتوقع أن يدق قلبه لامرأة.. أو تقتحم مشاعره أحاسيس الرومانسية.. فهو الثائر الذي لا يلين.. يشتم بأفظع الألفاظ.. ويضرب بالشلوت.. ويهدد ويتوعد.. ويخلع حذاءه إذا خانته أعصابه! أخيرا رآه الناس حالما، عاشقا، مهذبا، خفيض الصوت.. حكيم الرأي.. كأنه نفض عن نفسه رداء الجبابرة واتشح بملابس الرهبان!
هرش عبدالناصر في جبهته حائرا.. هل ضاقت الدنيا على جمال سالم ليتزوج من هذه المرأة.. ليس عيبا أو حراما أن يتزوج من مطلقة.
لكن هذه المرأة بالذات كان يجب عليه أن يبتعد عنها ولو خسر من أجلها الدنيا كلها.. فهي زوجة صديقه.. وزوجها صديق لكل أعضاء مجلس قيادة الثورة.. لابد أن زوجها عندما يعلم بأن زوجته قد طلقت منه لتتزوج نائب الرئيس سوف يتهم كل الثورة بالخيانة والإعتداء على حرمات الناس!
شاطت أعصاب الرئيس غضبا من نائبه.. تذكر شقيقه صلاح سالم النجم الساطع من بين كل ثوار يوليو.. كاد أن يسبب إحراجا بالغا للرئيس عندما وقع في غرام الأميرة فايزة شقيقة الملك فاروق المخلوع.. وقتها فقد عبدالناصر أعصابه وطاح في صلاح سالم ينهره بعنف ويذكره بأن ألسنة الناس لا ترحم.. سوف يقولون إن الضباط الأحرار قاموا بالثورة ليستولوا على الأميرات الحسناوات!.. وقتها ستفقد الثورة كل مصداقية لها.. لم يتردد حينئذ عبدالناصر من قراره بطرد الأميرة فايزة فورا.. وبالفعل غادرت البلاد لتهدأ الأزمة العنيفة التي كادت أن تعصف برفاق السلاح قادة الثورة.. إلا أن جمال سالم أتى بمصيبة كبرى.. قرر الزواج من امرأة صديقه التي يحبها بجنون وأصابه المرض العضال فور طلاقها منه!
كاد كوب الماء أن يتحطم بين أصابع الرئيس التي ضغطت عليها في حركة عصبية حادة.. تحركت الدموع في عيني عبدالناصر وهو يتخيل المهندس الكبير راقدا في فراش المرض وأصداء حفل الزفاف تدوي في أذنيه!
قرر عبدالناصر أن يلقن نائبه درسا!
استدعى الرئيس كبار مساعديه.. أمرهم بعدم الاعتذار عن الحفل أو الذهاب إليه أو التعبير حتى بباقة ورد!.. طلب منهم أن يجهزوا للقاء سياسي بالقرب من حفل الزفاف بحيث ينتهي اللقاء قبل بداية الحفل.. حتى يتعمد عدم الذهاب إلى الحفل رغم تواجده القريب منه لتصل رسالته كاملة إلى نائبه!
وذهب عبدالناصر إلى الإسكندرية ولم يحضر الحفل!
ارتبك الحفل.. وغضب النائب.. وبدأ مولد الشائعات حول الموائد.. تفسيرات وتبريرات.. حكايات وروايات.. لم تتوقف الألسنة لحظة واحدة عن تبرير تجاهل الرئيس لحفل نائبه!
وفي أول اجتماع لقادة الدولة تعمد الرئيس أن يثير أمرا يعرف تماما أن جمال سالم سوف يعارضه.. ويعرف أيضا أنه سيهدد باستقالته كما دأب في كل المناصب التي تولاها والاجتماعات التي يحضرها!
وتحققت توقعات الرئيس!
ثار جمال سالم.. وهدد صائحا:
صدور هذا القرار معناه استقالتي!
وهنا بادر الرئيس عبدالناصر قائلا في شجاعة:
- ونحن قبلنا استقالتك يا جمال!
وهكذا خرج جمال سالم من عالم السياسة والأضواء والشهرة.. كانت سلوى هي كل مكاسبه في تاريخه الطويل.. لكن عمره كان قد وصل إلى نقطة النهاية.. مات جمال سالم ونسى التاريخ ذكره.. حتى الشارع الكبير الذي يخترق قلب العاصمة فقد أطلقوا عليه اسم شقيقه صلاح سالم!
نسيه الناس ونسوا سلوى!
أما الزوج المهندس الكبير.. فقد عينه السادات وزيرا في عهده.. ورغم كل ما فعلته سلوى فقد اعتاد الوزير أن يزورها أسبوعيا في مصحتها النفسية!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.