نواصل نشر كتاب بيرلو " أفكر عندما ألعب"، ونقدم لكم الجزء الرابع. ليست صُدفةً أو قضية أن المشاعر تكون جياشة عندما ترتدي قميص الأزوري، الأزرق هو لون السماء والسماء هي كل شيء، مهما كانت تغطيها الغيوم، أنت تعلم إنها هُناك..بعد كأس العالم 2014 سأعلق حذائي وأعتزل اللعب دولياً، سأغلق المرحلة بقلبي.. حتي الآن لا يمكن لأي شخص- ماعدا برانديلي لأسباب فنية- أن يطلب مني الابتعاد عن المنتخب..حينها سيكون عمري 35 سنه، عمر مناسب لترك الفرصة للآخرين ..ربما لن أشعر بأنني مفيد كما أنا الآن أو في الماضي، لكن هذا اليوم لم يأتِ إلى الآن - كوني جزء من المنتخب الإيطالي يجعلني اشعر بشعور جيد، يُريحني، دائماً أعتبرهُ أفضل من ممارسة الجنس، لأنه شعور يدوم لمدة أطول ..إذا لم تشعر بذلك فهذه مشكلتك.. تريدون مثال؟ شخص مثل كاسانو يقول انهُ مارس الجنس مع 700 امرأة..لكنه في نقطة ما في حياته لم يعد جزء من المنتخب الإيطالي، هل سيكون سعيداً بشكل دائم؟ لا أعتقد ذلك..لأن ذلك الجلد الثاني، يعطيك نظرة مختلفة عن العالم، حقاً يجعلك أفضل، يرفعك لمستويات أعظم..أفضل أن أكون جندياً في الملعب على أن أكون جندياً في السرير..ومن وجهة نظر، أعتقد انه لا يجب على أي شخص أن يترك المنتخب، يجب أن يتم ذلك فقط بقرار من المدرب..هذا يجعل الأمور أقل تعقيداً، وألطف بقليل. -بعيداً عن عدم المشاركة في بعض المباريات الودية، لم يسبق لأي نادي لعبت فيه أن ضغط علي أو طلب مني أن ارفض دعوة للمنتخب ..لو فعلوا ذلك سيستقبلون إجابة غير لطيفة..لو حدث ذلك الشيء أعتقد أنني سأتصرف وفقاً لغريزتي حتى لو كان ذلك عكس إرادة الرؤساء..إيطاليا أهم من الجميع، أهم من ميلان، يوفي أو إنتر..ولنعمم الحديث، أستاء كثيراً عندما أكون في "الكوفرشيانو" مع المنتخب وأجد أن الأندية لازالت تفكر في مصالحها..تفكر وتحسب حساب التزاماتها في البطولات ولا تهتم لإيطاليا إلا في المناسبات الكبيرة مثل كأس العالم أو كأس الأمم الأوروبية .. بعض اللاعبين يعرفون إنهم إذا عادوا لأنديتهم بإصابة مع المنتخب فإنهم سيتعرضون لبعض المشاكل مع الإدارة لكن رغم ذلك لم ولن أوفر نفسي لأي شيء عندما ألعب مع المنتخب، ولن أتراجع عن أي تحدي في الملعب لهذا السبب. - بدأت مع المنتخب في عمر 15 عام، ولم أتوقف، مررت بكل الفئات السنية، أتخيل أن الأزوري مثل سلَم لا ترى نهايته، مع لائحة في أول درجة من السلم مكتوب عليه: يجب أن تصلي من اجل الجنة هُناك.. بدايتي مع المنتخب بعمر 15 عام شهدت عدة صعوبات لأن عمري كان صغيراً جداً على المشاركة في البطولات التي كان فيها عمري اقل من العمر الأدنى المسموح، لكن رغم ذلك سيرجيو فاتا قام بأخذي معه..التزوير كان حلاً متوفراً لكن لم افعل ذلك لأنه غير صحيح، على الرغم من انه في أوقات مع بريمافيرا بريشيا ظهرت تلك الفكرة من جديد. - كنت سعيداً لأنني ذهبت مع المنتخب لأنني تغيبت عن المدرسة لثلاثة أيام، وفاتتي العديد من الدروس التي قمت باسترجاعها لاحقاً خلال مسيرتي: تجوال العالم مع إيطاليا "دروس جغرافيا" الفوز "تاريخ" الركض "تمارين بدنية" معرفة غوارديولا فلسفة، وفن تاريخي، ليس إسباني لكن كاتالوني"..اعتبر نفسي محظوظ، القميص الذي ارتديه عملة نادرة..أتذكر بعض الأشياء البسيطة عن كأس العالم 1986 بينما بطولات 1990 أتذكر فيها كل شيء..خاصة شيء واحد: أغنية الصيف الإيطالي، بغناء إدواردو بيناتو وجيانا نانيني..كل اللاعبين الذي من جيلي يعرفون تلك الأغنية، في الواقع كنا نحتفظ بتلك الأغنية على الأيبود في كأس العالم 2006 ألمانيا..بعض ألاعبين كانوا يستمعون لها في يورو2012..أغنييه دائمة حاضرة معنا، حتى بعد مرور 22 سنه. - في معسكرات المنتخب، تنشأ صداقات حقيقية، نقية..الغرفة 205 في الكوفرشيانو، سريرين وحمام واحد، وشرفة واحدة تعتبر بمثابة خزانة الأسرار.. أولا كنت أتشاركها مع نيستا، والآن أتشاركها مع دي روسي..النقيضين من العالم الروماني، نيستا من لاتسيو ودي روسي من روما..ألمانيا أتحدت بعد بعض المشاكل، ونحن قررنا أن نتحد نحن الثلاثة وكفى. - نيستا في 2006 تعرض للإصابة ضد التشيك، كم ذرف من الدموع، وكم كان متوتراً حينها..كان معنا بنصف وعيه، لا يتحدث لأي شخص في المعسكر إلا معنا أنا ودي روسي..ليبي كان يسمح لنا بالخروج من المعسكر أحيانا فنأخذ نيستا للعشاء في الخارج، ونحاول بكل ما نملك أن نبعده عنه تأثير الإصابة ونساعده على عدم التشتت..لكن رغم ذلك كان في كل مرة يكرر تلك الجملة: "لا أشعر بأنني جزء من هذا الفريق .. سألحق الأذى بنفسي دائماً. - في احد المرات، كنا عائدين من دوسلدورف على السيارة، المدينة الأقرب لمعسكرنا في دوسبورغ..نيستا كان هو من يقود "بارزالي كان معنا أيضا"..فجأة صرخت أنا ومعي دي روسي على نيستا : - " أنت تذهب الاتجاه الخاطئ، أخرج من هنا بسرعة، إلى اوسفارت! - نيستا رد: لكن؟. - " لكن ماذا؟ أخرج نيستا بسرعة، أخرج. - " هل أنتم متأكدين؟. - " بالتأكيد..أخرج بسرعة لكي لا نتأخر عن العودة وندفع غرامة - بحركة متهورة، تحول من سرعة 60 ميل في الساعة، ضغط على الكوابح بقوة ثم قام بانعطاف خطر وأتبع الطريق الذي قلناه..سرنا قليلاً في السيارة ثم انتهى بنا المطاف بالطبع في طريق مليء بالمزارع..مثل تلك التي في فيلم Gran Rosso أسوأ فيلم تابعته في حياتي..ضعنا في الطريق، كنت اضحك أنا ودانيلي..نيستا كان قلقاً : ماهو الشيء المضحك في الموضوع ؟ الآن كيف نعود ؟ " - " ساندرينو ... " - " اللعنة، كل يوم أقرأ في الصحف إنني فقدت هدوئي، الآن سيكتبون إنني أول لاعب إيطالي يُفقد في تاريخ كأس العالم .. - " ساندرينو " - " بحق الجحيم أين نحن الآن ". - " ساندرينو" - " هل بإمكانكم التوقف عن الضحك ؟؟ ما الذي تريدونه ؟؟". - " ساندرينو..اوسفارت في اللغة الألمانية تعني "مخرج ". - لو لم نعود به، لحدثت له إصابة في يده أيضا، لم اسمع أي شخص يلعن ويشتم أكثر منه في تلك الليلة، لكن بكل الأحوال خطتنا نجحت ووصلنا إلى ما كنا نريد: لبعض الوقت كان نيستا يفكر في شيء أخر غير إصابته، حظي ببعض الوقت المسلي. - نيستا عمل جيداً وتماسك حتى ما قبل مباراة نصف نهائي كأس العالم ضد ألمانيا، خضع لبعض الفحوصات في كتفه ليعرف حالته وإمكانية أن يشارك في ذلك اللقاء..أجرى الفحوصات: أتضح انه شفي من إصابته وهناك إمكانية كبيرة أن يشارك في لقاء ألمانيا..بعدها بقليل وأثناء تلك التدريبا ، قام نيستا أثناء الجري برفع ساقه، وشعر بشيء محسوس وواضح، تعرض لتمدد ! شعرنا بأنهُ سيموت .. وحالنا لم يكن أفضل بكثير منه لأنه كان لدينا بعض الأمل والآن انتهى كلياً..أما ليبي وبقية الفريق حافظ نيستا على هدوئه، لكن عندما وصل إلى غرفتنا انهمرت دموعه..ربما لم يبكي أمام أحد بتلك الطريقة، لم يكن يريد أن يراه أي شخص بتلك الحالة..عرفت انهُ قام بجهد خارق ليتجنب الانهيار أمام الجميع في التدريبات..لكن عندما يضيع الحُلم، لا يوجد أي شيء تقوم به..فقط تحكم قبضتك وتدفع العواقب.. عواقب نفسيه أكثر منها بدنية. - حالة دي روسي لم تكن أفضل في تلك البطولة، خاصة بعد الكوع الذي قام به للاعب المنتخب الأمريكي ماكبرايد، الشيء الذي قد لا يعرفه الجميع هو ان دي روسي بعد تلك المباراة تلقى سيل عارم من رسائل التهديد والشتائم، والتهديد حتى لعائلته..حتى قاموا بقول كلمات ثقيلة جداً عن والديه، وهم أشخاص من ذهب..جرس الغرفة بدأ يرن بشكل مضاعف يومياً، الكثير من الرسائل تصل يومياً، دي روسي يتوقع أنها من ماريا دي فيليبو ويجدها من هانيبال ليكتر..رسائل مليئة بالسموم..عاش بشكل سيء لمدة طويلة، أتذكر انه لأيام طويلة كان لا يريد لقاء أي شخص..من يعرف دي روسي يعرف أن لديه قلب كبير، وعندما تعاني وأنت بهذا الشكل فإن هذا يعقد الأمور كثيراً. - في وسط حالته السيئة، دي روسي كان أحيانا يأتي ويهمس في أذاننا فجأة: " اندريا، ساندرو..كيف حالكم ؟ "..سؤال كان يجعلنا ندرك جيداً أنه في طريقة إلى الجنون..وان سوء حالته زاد بشكل دراماتيكي..تم إيقافه 4 مباريات، 4 مباريات في كأس العالم تشبه الحكم بالسجن المؤبد: أدركنا أن الخطر عليه لن ينتهي..خاصة إننا نحن أصدقائه أيضا لم نتعامل معه بلطف في البداية، كنت نواجهه بالأسئلة: "دانييلي..ما هذا الجنون الذي فعلته ؟ "..بعد ذلك أدركنا إننا نفقد واحد من أهم أفرادنا، لهذا فوراً قمنا بالاهتمام به، الأصدقاء يهتمون ببعضهم البعض بكل تأكيد..هذا أمر لا نقاش فيه..نحب بعضنا البعض بغض النظر عن أي شيء. - الرسائل لم تتوقف، لكن دي روسي عاد من إيقافه، وسدد احد ضربات الجزاء في النهائي ضد فرنسا، رسالة رد جميلة على أولئك الأغبياء الذين لا توجد لديهم أي كرامة.."يجب أن أقول إنهم جهلة أيضا، بالنظر إلى كثرة الأخطاء الإملائية في رسائل التهديد التي كتبوها"..ساعدت دي روسي بتلقائية والآن الدور عليه لكي يرد لي الجميل، كن قريباً مني، حتى في الملعب..كنت أقول له ذلك..الآن في كل مرة أواجهه أقول له:" سأترك المنتخب بعد 2014 لهذا أريد أن العب نهائي البطولة"..من المؤسف أن نيستا لن يكون معنا، لأنه خرج مع المخرج !.