كتب وليد عبيد: »الصدمة والرعب« أحدث أفلام الانفلات والفوضي.. العرض ليس في دور السينما وإنما في أحد شوارع القاهرة. البطل طفل لم يتعد عمره السنوات العشر. الحبكة الدرامية تقع تحت شعار »حدث بالفعل« لواحدة من أبشع الجرائم التي يشهدها الشارع المصري وتقف وراءها عوامل الانفلات والعنف واللامبالاة والتجارة المحرمة للسلاح. بداية القصة.. ترتفع أصوات الدي جي داخل أحد الأفراح بمنطقة الشرابية وكالعادة يندفع الأهالي لتقديم التهاني.. تتعالي الأغاني بشدة.. يرقص الشباب بشكل هيستيري.. تنتشر زجاجات البيرة في كل مكان والدخان الأزرق يملأ الأجواء.. فجأة تتعالي أصوات الصراخ.. حالة من الهرج والمرج تسيطر علي المكان.. أناس تهرب.. وآخرون يصابون بحالة من الاغماء.. يسكت الدي جي.. يظهر السبب طفل في العاشرة من عمره يجري علي غير هدي يستنجد بمن حوله يفر منه البعض.. والآخر يصاب بحالة من الاغماء بمجرد رؤيته والوضع تسيطر عليه مشاهد الصدمة والرعب.
يندفع من وسط الجموع شابان في أواخر العقد الثاني من عمرهما يحملان سلاح والدلائل تشير إلي انطلاق رصاصة اصابت وجه الطفل الذي لم تكن تفصله مسافة بعيدة عن فوهة المسدس.. ووسط حالة الصدمة والرعب التي اصابت الجميع لم يستطع أحد ايقافهما أو الامساك بهما نجح الشابان في الفرار تاركين الطفل الصغير يسقط علي الأرض.
.. يرن جرس المحمول.. ألو أبوعلي.. إلحق ابنك خير فيه ايه؟! ابنك اصابه طلق ناري في الفرح اللي كان في الشارع. لم يتمالك الأب نفسه وأسرع إلي مكان الفرح ليجد ابنه يرقد وسط الشارع وقد تم تغطية نصف وجهه.. وباندفاع غريزي ودون ان يستوضح ما حدث او يلقي نظرة علي وجه فلذة كبده يسرع به راكباً سيارة اجرة ويتوجه الي مستشفي »كوتشينر« العام بشبرا.. وبمجرد وصوله الي قسم الطواريء ترتسم علي وجوه المسعفين علامات الصدمة والرعب ايضاً فيرفضون استقبال الطفل ويطلبون من الاب سرعة التوجه به الي احد المستشفيات الكبري مكتفين بوضع بعض القطن علي وجهه.
يجلس الأب بجانب سائق الاجرة يندفع الاخير مسرعاً الي مستشفي معهد ناصر بعد ان شاهد صورة الدماء التي تنساب من الطفل.. هنا انتبه الاب الي انه لم يشاهد وجه طفله الذي ينام بين احضانه لا يعرف هل ابنه حي ام ميت وفي محاولة للاطمئنان علي فلذة كبده قرر رفع القطن الذي كان يغطي وجه ابنه ليعرف مدي اصابته ترتسم علامات الصدمة والرعب ولكن هذه المرة علي وجه الاب فقد شاهد صورة لا تتحملها الجبال لابنه وقد اختفت ملامح نصف وجهه الاسفل وتحول الي كتلة من اللحم المفروم تنفجر منه الدماء وتفوح منه رائحة البارود.. ولكن رحمة الله اصابت الوالد بسكينة وحالة من الثبات جعلته يكمل رحلة البحث عن انقاذ فلذة كبده.
يدخل الاب مسرعاً الي معهد ناصر ويتلقف المسعفون الطفل الصغير ويتم الاتصال بعدد من كبار اطباء المستشفي الذين شكلوا علي الفور فريقاً طبياً لانقاذ الطفل بعد ان اظهرت الفحوصات المبدئية انه غير قادر علي التنفس ومصاب بطلق ناري تسبب في كسر متفتت بالفكين العلوي والسفلي مع تهتك في جزء من اللسان وسقف الحلق والشفتين العلوية والسفلية وفقدان لنصف أسنان الفك السفلي.. الحالة متأخرة والتحدي صعب ولكن الايمان برحمة الله هو الامل الوحيد.. ليبدأ طريق الألف ميل. داخل غرفة العمليات كان الجراحون في سباق مع الزمن أولاً لعمل فتحة في حنجرة الطفل حتي يتمكن من التنفس وشفط الدماء التي امتلأت بها معدته.. بالاضافة الي التدخل الجراحي لتثبيت الكسور وعمل شرائح موضعية وترقيع للجلد وتركيب فكين علوي وسفلي وأمام هذا التحدي الصعب بدأ الأطباء طريق الألف ميل.
علي مدار اكثر من 11 ساعة متواصلة كان الأب يقف خارج غرفة العمليات لا يدري ماذا يفعل حالة من التشوش والتخبط تسيطر علي انفعالاته غضب شديد من المتسببين فيما حدث لنجله.. فكرة الانتقام لا تفارق خياله.. ولكن كيف؟ ومتي؟ وضد من؟ اسئلة لم يكن يملك لها اجابات في هذا الوقت.. ثم تطارد الفكرة الأولي اخري تتعلق بالخوف علي مصير فلذة كبده.. هل سينجو؟.. واذا نجا كيف يمكن له ان يعيش مع هذا التشوه؟ واذا تمت معالجته فهل يمكن ان ينعم الطفل بصورة وجهه الأولي؟ واذا كان كل ذلك ممكناً فأين للأب المستور بما يتطلبه ذلك من نفقات؟!.. لم يقطع هذا السيل من الافكار سوي خروج الطبيب من غرفة العمليات ليطمئن الأب علي نجله ويخبره بأن اول عملية قد نجحت وتم تغيير مجري التنفس وعمل فتحة في حنجرته.. وبدأ يرسم للأب الخريطة التي سيعتمد عليها الفريق الطبي خلال المرحلة المقبلة بما تتطلبه الحالة من تدخلات جراحية متعددة.
يتقدم الأب ببلاغ إلي قسم شرطة الشرابية برقم 4102 في محاولة للسيطرة علي الشعور بالانتقام الذي يراوده وتمت احالة المحضر الي النيابة التي تولت التحقيق.
الصدمة الأخيرة.. المجرم مازال حراً طليقاً.. والرعب أيضاً.. من تكرار هذه الجريمة.