انتصر الرئيس التركي طيب إردوغان علي أعدائه واستعاد قبضته سريعا علي السلطة بعدما كان مصيره علي المحك عندما حاول جنود متمردون الإطاحة به. غير أن الانقلاب العسكري الفاشل يزيد من حالة الاستقطاب في بلد مضطرب بالفعل. ولم تنته بعد الاضطرابات التي أعقبت محاولة الانقلاب ليل الجمعة الماضي. فقد أصابت تلك المحاولة البلد بالصدمة وألحقت ضررا يتعذر علاجه بالجيش الذي ينظر إليه بوصفه حجر الزاوية للاستقرار في بلد يقاتل تنظيم داعش وتمردا كرديا. وكتب هيو بوب ونيجار جوكسيل من مجموعة الأزمات الدولية يقولان «في النهاية.. انتصر إردوغان وأنصاره لكن لا أحد في تركيا انتصر علي المدي البعيد». وتوقعا أن يكون «الضرر الذي يصيب الجيش- وهو الأكبر علي الإطلاق في ضوء الاضطرابات في الجوار التركي - جسيما». وفجرت محاولة الانقلاب التي قامت بها مجموعة في الجيش مشاعر قومية وإسلامية دعما لإردوغان وهو ما شجع الحكومة علي إطلاق حملة صارمة. وجري تطهير الجيش والمحاكم والجامعات والأجهزة المدنية من آلاف المعارضين. وقال هاكان ألتيناي من معهد بروكنجز في واشنطن «هذه صدمة ومثل أي صدمة أخري ستضفي صبغتها علي كل ما يأتي بعدها... إنها بالتأكيد تساعد إردوغان.. الذي كان يتحدث منذ فترة طويلة عن مؤامرات كولن الشريرة.. والآن ثمة مؤامرة ربما أكثر شرا مما كان في اعتقاده». ويبدو بالفعل أن عمليات التطهير تتجاوز أتباع رجل الدين فتح الله جولن الذي يتهمه إردوغان بتدبير المؤامرة. وقال ألتيناي «إنني واثق من أنهم سيستغلون هذا الحادث لتصفية آخرين غير مرغوب فيهم أيضا. ما حدث خطير للغاية لدرجة أنهم ليسوا بحاجة لمزيد من الوقود.. الفعل نفسه محفز بما فيه الكفاية». وتثير سرعة وحجم الحملة الصارمة فضلا عن دعوات لإعادة العمل بعقوبة الإعدام بحق المتآمرين القلق بين الحلفاء الغربيين الذين يطالبون أنقرة بالحفاظ علي سيادة القانون في بلد عضو في حلف شمال الأطلسي ومرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي وهو أقوي حليف مسلم لواشنطن. ويقول محللون إن من المستبعد أن تصغي السلطات لمثل تلك النداءات. وسبب الانقلاب الفاشل هزة في قلب القيادة وكاد يقضي علي إردوغان وشخصيات بارزة أخري. «هذا يغير كل شيء» يقول بعض المحللين الأتراك إن إردوغان - الذي قال إنه نجا بأعجوبة من الاغتيال علي يد المتمردين - يستغل التمرد كذريعة لتوسيع وتعزيز سلطاته. وكشف الانقلاب الفاشل هشاشة الأجهزة العسكرية والمخابراتية التي فشلت في الرصد المبكر لمؤامرة كبيرة شارك فيها قادة كبار من الجيش والقوات الجوية. وقال ألتيناي «الموقف سيريالي جدا. هناك انهيار لمؤسسات علي كثير من المستويات. لقد جري احتجاز أكبر قائدين عسكريين رهائن علي يد أقرب مساعديهما». وأضاف «أعتقد أن ثقتهم قد اهتزت لأنهم إذا لم يكن بوسعهم حتي اختيار الأشخاص الذين سيمضون معهم 24 ساعة.. فكيف سيثقون في أي شخص آخر. إنها ضربة لهم». وبرغم احتشاد أحزاب المعارضة الرئيسية خلف إردوغان مع بدء التمرد تسري مخاوف بين العلمانيين من أن البلد - المنقسم بالفعل بسبب النزعة الإسلامية المتنامية لحزب العدالة والتنمية - سينجرف أكثر صوب مزيد من السياسات الدينية الشعبوية وهيكل سلطة مطلقة أكثر تشددا. وقال مارك بيريني سفير الاتحاد الأوروبي السابق لدي أنقرة والباحث الزائر لدي كارنيجي أوروبا «ديمقراطية تركيا وانتماؤها الغربي ربما ينتهي المطاف بهما كأول ضحايا الانقلاب».