ليس من سبيل لتحقيق التقدم المأمول لمصرنا الغالية إلا إذا ما نجحت القيادة السياسية للدولة بإنهاء ظاهرة الجزر المنعزلة في تعامل وزاراتنا وأجهزتنا الحكومية بعضها مع بعض. هذا التنافر وهذا التطاحن دفع هذه الأجهزة بإعتبار كل ما هو تحت مسئوليتها الإدارية «وسية» تتصرف في شئونها دون أية مراعاة للصالح الوطني. هذه الآفة التي تنخر في جسد هذا الوطن تحت رعاية البيروقراطية وما يترتب علي ممارستها من فساد.. تعد من أسباب عدم تقدمه وما يعانيه من مصائب. يضاف إلي ذلك جنوح الأنظمة المختلفة للحكم بعد ثورة يوليو 1952 إلي تحويل مصر إلي حقل للتجارب الايدلوجية القائمة علي فهم قاصر للأنظمة الاشتراكية والرأسمالية فيما يتعلق بتسيير أمور الدولة. هذا التخبط أدي إلي ما نحن فيه من تخلف وفقدان القدرة علي مواكبة ما حققته دول كانت أقل منا استطاعت الانطلاق إلي آفاق الرخاء والازدهار. لم يكن من نتيجة لكل ما مر بنا سوي التراجع في كل ما كنا نتميز به سواء كان إنتاجا زراعيا أو صناعيا. ليس هذا فحسب وإنما كان للقوانين التي تم تطبيقها «بغشومية» وبمبدأ التجربة والخطأ إلي انخفاض معدلات إنتاجية العامل المصري إلي الدرجة التي أصبحت تقاس بالدقائق يوميا. إن الطريق الوحيد للخروج من هذا المأزق الذي أصبحت تداعياته تخيم علي كل أوجه حياتنا مرهون باللجوء الي سلاح الحزم والحسم والانضباط في مواجهة الفوضي والتسيب في أجهزتنا الحكومية. لابد أن تكون هناك محاسبة فورية وقاطعة لكل الممارسات التي تستهدف التعطيل والمماطلة فيما يتعلق بالصالح العام.. هذا التوجه الحتمي والضروري يتطلب ثورة تشريعية تضع في اعتبارها تحقيق هذه المبادئ لضمان التحكم في سير العمل وتيسيرها بكل أجهزة الدولة. لا يجب بأي حال أن تخضع توجهات وقرارات مجلس النواب لضغوط النفاق والتدليس لصالح أصحاب الصوت العالي الذين تعودوا علي ممالئة الكسل وعدم العمل والإنتاج. عليهم أن يضعوا في اعتبارهم أن هذا الوطن لن يقوم من عثرته ويتقدم إلا إذا حرص الجميع علي تأدية واجباتهم بما يرضي الله والضمير قبل أن يطالبوا بأي حقوق. ما سوف يعملون علي تطبيقه لتحقيق هذا الهدف يتفق وكل القيم والمبادئ الدينية والإنسانية القائمة علي مبدأ أن من لا يعمل لا يأكل وأن الأجر علي قدر الإنتاج. لا أمل في تحقيق الآمال والتطلعات وهي كثيرة إلا بالعمل والإنتاج من جانب كل أبناء الشعب في كل المجالات سواء كانت عامة أو خاصة. وحتي يسهل قيام الناس بما هو مطلوب منهم من واجبات فإن علي الدولة التخلي عن التعامل بنظام الجزر المنعزلة سواء مع بعضها البعض أو مع ما هو مطلوب منهم من خدمات لصالح طالبيها من المواطنين. في هذا الشأن يتحتم علي القيادة السياسية وفي إطار مسئوليتها التي لا يشك أحد في وطنيتها وسعيها إلي توفير الحياة الكريمة للشعب.. أن يكون تغيير المفاهيم والسلوكيات هدفها الرئيسي لاصلاح ما افسدته الشعارات الزائفة التي سيطرت علي شئون هذه الدولة لأكثر من ستة عقود.