سمىر عبدالقادر طاب لي، أمس الاول، أن اراقبهما ابن يقود اباه الاعمي، اما الابن فصبي في نحو العاشرة واما الاب ففي الحلقة السادسة، يوشك ان يوهنه الفقر والظلام الذي لا آخر له الا القبر، وكان الرجل فيما يبدو لي صائما، ولكن لباسه نظيف، جاهد الفقر لكي يكون مستور الحال، ومع ذلك فإن طربوش عمامته كان يحمل أثرا لا سبيل إلي محوه بغير شراء طربوش جديد، فقد انبري من كثرة لف الشال عليه، كذلك كان حذاؤه علي الرغم من نظافته، عريقاً في القدم. ب قال الولد لابيه، وكانا ينتظران الاوتوبيس: ألم تعدني بشراء جلباب لي والمحلات كلها مفتوحة والناس يشترون ما يريدون؟ قال الاب وعلي وجهه مسحة من الحزن الدفينة ولكنك تعرف انني لم اقبض نقودي من محمد بك، وعدني ان يدفع لي غدا أجر تلاوة القرآن في منزله طول رمضان، قال الولد، وقد اصيب بخيبة امل قاسية: والعيد! هل ألبس فيه هذه الهدمة، وأولاد الجيران كلهم قد اشتروا هدوما جديدة، قال الرجل: يا بني ان الله قد خلق الناس وحظوظهم، أشكر ربك فأنت خير من كثيرين وتأكد انني سوف اشتري لك غدا ثوبا جديدا وستسهر خالتك حتي تخيطه لك، وتلبسه صباح العيد. ب عاد للصبي اشراقة وجهه فما اكثر ما تسرهم الاماني والاحلام! وقدم الاتوبيس من بعد مكتظا كأنه قطعة من الخلائق، وانذر الصبي اباه ان يستعد للركوب، وهم الرجل ان يفعل! وآسفاه ماذا استطاع؟ دار ذات اليمين وذات اليسار في مساحة لم تزد علي ثلاثة امتار مربعة، اما الصبي فاستخفه الموقف وابتعد عن ابيه يستقبل الاتوبيس الزاحف في بطء، وأحس الاب ان ابنه لم يعد في يده، فقد كعازه وعينيه، فصاح يدعوه إليه في لهفة وحار الولد بين نداء ابيه، وبين الرغبة في الوثوب إلي الاتوبيس، يزاحم مع المتزاحمين، ولكن اباه، هل يتركه.. فعاد إليه حسيرا، لان الاتوبيس كان قد انطلق وتركهما معا موكب الحياة الذي يسير في عنف لا يعترف للعاجزين بحق. ب وهدأت المحطة من جلبة الراكبين، فقد قفز اكثرهم ووجدوا موضع قدم فاندمجوا بين الواقفين علي السلم، واما هذا الاعمي وقائده الصغير فتخلفا عن موكب الاقوياء. وعاد الصبي يحاور أباه، سأله: محمد بك ليه مبيدلكش فلوس ورمضان خلص؟ قال الرجل في مرارة: مستني الفلوس لما تيجي من العزبة.. علشان المتين جنيه بتوعي! ب وبعد فترة جاءت سيارة اتوبيس اخري، كانت اقل ازدحاما، فاستطاع الصبي ان يقود اباه إلي المقعد، وان يجلس إلي جواره، وحينما نفخ الكمساري في زمارته، وانطلق الاتوبيس بالرجل وابنه، قلت: ما اكثر ما يحمل العيد في بهجته الأسي، وما اكثر ما ينام ليلته العشرات والمئات والألوف كسيرة قلوبهم! ب