ازدادت بدرجة كبيرة استخدامات الأجهزة الكهربية والإلكترونية في كل مناحي الحياة تقريباً سواء كانت للأغراض المنزلية مثل أجهزة التليفزيون والمايكروويف أو لأغراض التشخيص والعلاج في المجال الطبي أو في الصناعة وكذلك في مجال المعلومات والاتصالات مثل الكمبيوتر والفاكس والتليفون المحمول. ينبعث من كل هذه الأجهزة موجات كهربية تختلف في الطول وتتفاوت في التردد يصاحبها مجال مغناطيسي مثلها مثل أي تيار كهربي وهي حقيقة علمية ثابتة ولذلك يطلق علي ما ينبعث من هذه الأجهزة إشعاعات كهرومغناطيسية. هناك مصادر طبيعية في المحيط البيئي الذي نعيش فيه تنبعث منها أيضاً هذه الإشعاعات ويمتصها الجسم البشري ويتفاعل معها ويتحملها، فنجد أنه عندما يمتص الجسم هذه الإشعاعات يرتفع مستوي الطاقة في بعض الجزيئات المكوِّنة للمادة الحية في خلايا الجسم وترتفع درجة حرارته الداخلية، وهنا يسارع الجسم بتنظيم درجة حرارته وذلك بطرد الحرارة الزائدة من خلال إفراز العرق أو زيادة سرعة التنفس وغير ذلك من العمليات الحيوية. وهكذا تأقلم الجسم البشري وهذه الجرعة الطبيعية من الإشعاعات. أما إذا ازدادت الجرعة بسبب التعرض لمستويات أعلي من المستوي الطبيعي الآمن من الإشعاعات، يزداد مستوي الامتصاص عن الحد الطبيعي وترتفع درجة حرارة الجسم الداخلية وقد تظل مرتفعة لفترة زمنية بسبب تراكم الأشعة الممتصة وقد تعجز قدرة الجسم عن التخلص منها فيؤثر ذلك سلباً علي معدلات الأداء الحيوي للخلايا. وكما ورد في تقرير مهم للمجلس القومي للتعليم والبحث العلمي منذ سنوات وتم التعرف علي بعض الآثار السلبية منها الصداع، التوتر، حساسية الصدر والجلد، هشاشة العظام، العجز الجنسي، الشعور بالإرهاق وعدم القدرة علي التركيز وأحياناً تتسبب في زيادة إفراز بعض الهرمونات. لا يعني التعرض لهذه الإشعاعات بالضرورة الإصابة بأي من الأعراض التي سبق ذكرها إذ تختلف حدة التأثيرات الصحية للإشعاعات الكهربية والمغناطيسية بحسب طول موجاتها وأيضاً بحسب زمن التعرض لها، كما تختلف بحسب درجة الحساسية البيولوجية للأفراد فقد يتأثر بها فرد دون آخر، ويختلف تأثيرها أيضاً في الجسم الواحد فقد يتأثر بها عضو دون آخر بحسب طبيعة ونوع النسيج الحيوي ونوع الخلية. تتنافس شركات إنتاج الأجهزة والآلات الكهربائية والإلكترونية في ابتكار ودعم سبل الأمان والتقليل من مستوي انبعاث هذه الإشعاعات وهناك تقدم بلا شك إلا أنه لا يمنعها تماماً ... وعلي الرغم من الثروة الضخمة من المعلومات التي توافرت نتيجة البحوث المكثفة التي مازالت تجري فمازال هناك غموض حيث أن أثر التعرض لهذه الإشعاعات لا يظهر إلا بعد وقت طويل يجعل القطع بعدم ضررها مشكوكا فيه حتي تلك المستويات الضعيفة التي توصف بأنها آمنة. هنا يصبح من المهم رفع مستوي الوعي الشعبي بكل المخاطر المحتملة، فالتعرض لهذه الإشعاعات دون توعية مستنيرة بهذه المخاطر من الأجهزة المعنية يعتبر انتهاكا لحقوق الإنسان وممارسة غير أخلاقية فالمنهج الأخلاقي يفرض ضرورة تعريف الأفراد بكل أبعاد هذه المخاطر المحتملة. وهنا تتحمل الدولة متمثلة في سلطاتها التشريعية والتنفيذية والإعلامية مسئولية حماية الجماهير من خلال وضع الضوابط والتشريعات التي تكفل الإقلال من احتمالات المخاطر التي تواجههم وهو ما يستدعي مراجعة التشريعات الحالية وتحديثها وخاصة القانون رقم 59 لسنة 1960 في شأن «تنظيم العمل بالإشعاعات المؤينة والوقاية من أخطارها» بما يحقق الاستفادة من الحجم الهائل للمعرفة العلمية التي استجدت عبر ما يزيد علي نصف قرن مضي منذ صدور القانون الذي يجب تعديله ليشمل تنظيم العمل بكل أنواع الإشعاعات وعدم قصره علي الإشعاعات المؤينة فقط، وتنظيم الرقابة الدورية وعمليات المسح الدقيق الدوري لمستويات الإشعاعات التي تنبعث من شبكات خطوط الجهد العالي وأبراج البث والاستقبال للإذاعة والتليفزيون والتليفون المحمول وغيرها وعدم السماح بإنشاء مناطق سكنية وأي تجمعات بشرية متاخمة لها. كما يجب أيضاً علي الدولة فرض إقامة نظم فعالة للعزل الأرضي الذي يساعد علي تفادي الآثار السلبية لهذه الإشعاعات وإدراج ذلك ضمن شروط البناء اللازمة لإصدار تراخيص إقامتها. هذا بالإضافة إلي إلزام المنتجين والمستوردين للأجهزة الكهربية والإلكترونية بتقديم بيانات دقيقة حول ما يصدر عنها من إشعاعات أثناء التشغيل وتحديد المسافات وفترات التشغيل الأكثر أماناً. يستدعي الأمر أن تكون هناك آلية مستقلة تختص بالمتابعة والرقابة والتأكد من استيفاء معايير الآمان في كل الممارسات ذات الصلة بما يكفل السلامة الصحية للإنسان المصري.