عندما كتبت مقال الأسبوع الماضي لم يكن في نيتي أن أكتب في أمر إصابتي بسرطان المستقيم مرة ثانية، لكنني فوجئت باتصالات من بعض الزملاء وبعض القراء يطالبونني بتفاصيل أكثر عن تجربتي مع المرض الخبيث الذي مازلت في مشوار العلاج منه حتي الآن وذلك حتي تعم الفائدة ويستفيد من التجربة ممن هو في نفس حالتي موقنا أن الله الذي أصابني بالمرض بقادر علي أن يشفيني منه. بمجرد أن تأكدت بعد فحص العينة التي أخذت عن طريق المنظار من إصابتي بالورم الخبيث نصحني الأصدقاء والزملاء بضرورة استشارة أكثر من متخصص قبل التحرك لإجراء العملية الجراحية.. المشكلة عندي تمثلت في أن الورم كان علي بعد 4 سنتيمترات فقط من لامؤاخذة فتحة الشرج، وهو الأمر الذي جعل كل الجراحين الذين التقيتهم يجمعون علي أن العملية ستتضمن تحويل عملية الإخراج لتكون عن طريق فتحة في الجانب الأيسر من الجسم مع الاستغناء عن فتحة الشرج تماما وهو الأمر الذي أصابني بالصدمة أكثر من معرفتي بإصابتي بالورم الخبيث.. قال الجراحون إن الحالة الوحيدة التي لا تتم فيها عملية التحويل هو أن يكون الورم علي بعد 9 سنتيمترات علي الأقل من فتحة الشرج. نصحني الزميل العزيز الدكتور محمد فاروق باستشارة الدكتور تامر النحاس الأستاذ بطب القاهرة واستشاري الأورام.. عندما التقيت الدكتور تامر فتح أمامي طاقة من الأمل وقال إن الدنيا تغيرت وأن أساليب العلاج تطورت وأنه علي العكس مما كان يحدث من قبل من إجراء العملية ثم تلقي جرعات الكيماوي فإنه يتم الآن البدء بالعلاج بجرعات العلاج الكيماوي متزامنة مع العلاج الإشعاعي بهدف تقليص حجم الورم ليعطي مساحة أفضل للجراح عند إجراء العملية قد تساعده علي تجنب عملية تحويل الشرج.. طمأنني الدكتور تامر إلي أنني خلال فترة العلاج سوف أمارس حياتي سواء في العمل أو في محيط الأسرة بشكل طبيعي لأن البروتوكول الذي سيعالجني به لن تكون له آثار سلبية كالتي كانت معروفة في السابق مثل عملية سقوط الشعر علي سبيل المثال والتي لم يعد لها وجود مع طرق العلاج الجديدة. توكلت علي الله وبدأت رحلة العلاج الإشعاعي والكيماوي والتي استغرقت حوالي ثلاثة أشهر، تم بعدها عمل منظار من جديد وأخذت عينة لتبين الوضع الذي آل إليه الورم.. بعد فحص العينة جاء تقرير طبيب الباثولوجي بأن الورم قد تليف أو بالمعني البلدي قد تم كيه تماما، وعندما تم عرض التقرير والأشعات المقطعية التي أجريتها علي اثنين أو ثلاثة من الجراحين عادوا من جديد ليصدمونني بصعوبة إجراء العملية دون إجراء التحويل رغم تقرير الباثولوجي الذي كان يعطي نفحة تفاؤل.. زاد من آلامي ومعاناتي رد فعل زوجتي عندما كانت تستمع إلي آراء الجراحين فتترك غرفة الطبيب باكية حزنا علي الحال التي ستؤول إليها أمور زوجها. خلال اتصال بالصديق والأخ العزيز الدكتور أحمد زكي بدر وزير التعليم الأسبق ورئيس أكاديمية أخبار اليوم يطمئن فيه علي أحوالي أخبرته برأي الجراحين فسألني إن كان من بينهم الدكتور علي شفيق فأجبته بالنفي.. فأخبرني أنه سيحدد لي ميعادا للقائه وعرض الأشعات والتحاليل عليه.. ذهبت برفقة زوجتي إلي مستشفي الدكتور أحمد شفيق رحمة الله عليه للقاء الدكتور علي.. عرضت عليه كل ما أجريته من أشعات وتحاليل ونتائج المناظير فكانت المفاجأة المفرحة الثانية.. قال الدكتور علي أنه لا توجد مشكلة وأنه سيقوم بإجراء العملية بالمنظار ودون أن يلجأ لتحويل الشرج.. لم تصدق زوجتي نفسها وهي تسمع بشري الدكتور علي شفيق بأنه لن يتم التحويل، وعادت لطرح السؤال عليه مرة واثنتين وثلاثا ليطمئن قلبها وتتأكد بأنه لن يتم تحويل عملية الإخراج وجاءت إجابة الدكتور علي حاسمة بألا تقلق وأن العملية سوف تتم علي خير بإذن الله. يوم العملية والذي توافق مع السابع عشر من شهر مارس الماضي أجريت لي الفحوصات اللازمة التي تتطلبها العملية.. حملوني إلي غرفة العمليات.. استقبلني علي باب الغرفة طبيب فهمت بعد ذلك أنه طبيب التخدير.. دخل معي في حوار باسم سريع، ثم قال لي إنه سوف يعطيني حقنة مهدئة.. بعدها لم أشعر بشئ إلا ويد الدكتور علي شفيق تهزني هزة خفيفة بهدف إيقاظي من حالة التخدير، ثم قال لي: احمد الله.. لقد حافظنا لك علي الشرج.. لا أخفي عليكم قدر الارتياح النفسي الذي شعرت به بعد كلام الدكتور علي شفيق فور الانتهاء من العملية وتنفست الصعداء ودعوت لكل من كان بصحبة الدكتور علي في غرفة العمليات من مساعدين. الحمد لله أولا وأخيرا.. طبعا أنا مازلت لم أبرأ بشكل نهائي خاصة وأن عضلة لامؤاخذة الشرج مازالت لم تعد إلي طبيعتها كما كانت قبل الإصابة بالمرض ولكن الأمر يحدوني في أن تعود الأمور لطبيعتها وإن كنت قد فهمت من الدكتور علي أن ذلك قد يستغرق بعض الوقت.. أنا الآن أتلقي جلسات علاج كيماوي لمعالجة ما يقال إنه بعض ثنايات في الكبد ظهرت من خلال المسح الذري الذي أجري لي بعد العملية ويستمر ذلك العلاج لمدة ثلاثة شهور.. أتمني من كل من قرأ ألا ينساني بالدعاء في هذه الأيام المباركة من الشهر الفضيل عله يكون لي نصيب من دعائكم.. وكل عام وأنتم ومصر بلدنا الحبيبة بكل خير.