بدا نظام الرئيس "رجب طيب أردوغان" وكأنه قرر ان يضرب بالانتقادات والمعارضين عرض الحائط آخذا في التوحش دون اي اعتبار لأي أحد.. وكشف "ديفيد ليبيسكا" الكاتب المقيم في اسطنبول في تقرير بعنوان "الدولة البوليسية القادمة في تركيا" ان السلطات قد فعلت كل ما تستطيع من أجل ان "تغطي" علي مناقشة وإقرار قانون مثير للجدل من شأنه ان يعزز القبضة الأمنية ويحوّل البلاد إلي "دولة بوليسية بالفعل". واضاف الكاتب ان البرلمان التركي كان قد أجاز أولا عشرة مواد (من أصل 132) من القانون الذي أثار جدلا واسعا وذلك في جلسة شهدت مشادات وصلت إلي حد الاشتباك بالأيدي بين أعضائه وسط معارضة قوية للقانون ومظاهرات صامتة للمحتجين. وأشار الكاتب في تقريره إلي ان الإعلام الذي بات مسيسا إلي درجة كبيرة قد تجاهل تقريبا ما حدث. كما مضت السلطات في أنقرة من جانبها في مساع للتغطية علي الأحداث علي الصعيدين الدولي والمحلي. فعلي الصعيد الدولي باشرت القوات التركية عملية "قيام عشرات الحراس باقتحام الحدود السورية وتحريرضريح احد السلاطين العثمانيين ونقل رفاته إلي تركيا" حيث دفعت بأكثر من 570 من عناصر الجيش التركي إلي جانب نحو 40 دبابة وأكثر من 150 عربة مدرعة في عملية جرت بدعم وغطاء جوي واسع من قبل السلاح الجوي التركي. ويتساءل الكاتب بشأن توقيت هذه العملية الذي جاء بعد نحو شهر من انسحاب عناصر تنظيم داعش الارهابي من مدينة كوباني شمال سوريا والواقعة علي الحدود التركية وبحسب الكاتب فقد كان من الممكن ان تتم هذه العملية العسكرية قبل توقيتها الفعل بفترة طويلة لكن حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان أرادت ان تحوّل انتباه العالم عما يجري داخل تركيا. أما علي الصعيد الداخلي فقد أصدرت السلطات التركية ثاني أمر اعتقال بحق "فتح الله كولن" الحليف السابق لأردوغان والخصم الحالي له وهي خطوة استتبعتها عملية مداهمات أمنية – هي العاشرة منذ اندلاع الخلاف بين الرجلين - أسفرت عن اعتقال نحو 40 شخصا من حلفاء وأتباع الداعية التركي المقيم بالولايات المتحدةالأمريكية. كما كشفت الحكومة التركية في الوقت نفسه عما قالت انها "خطط بديلة" لمشروع عملاق يتضمن حفر قناة هي ممر ملاحي مائي يربط بين اسطنبول ومرمرة علي البحر الأسود. ولم تتضمن هذه "الخطط البديلة" اي تفاصيل حقيقية بشأن المشروع حيث لم يتفق المسئولون بعد بشأن الموقع الجغرافي للقناة ومن ثم فكان هذا الإعلان من قبل الحكومة بمثابة خطوة للتغطية علي ما يحدث في الداخل. ويشير الكاتب إلي خطورة قانون الأمن الداخلي - الذي أكد أردوغان مرارا "أنه سيتم تمريره من قبل البرلمان في كل الأحوال" - وقال انه سيدمر البناء الديمقراطي الذي استمر لما يقرب من قرن في الدولة التركية. وكانت المنظمات الحقوقية قد انتقدت القانون وقالت "هيومن رايتس ووتش" أنه "سيخلق دولة بوليسية" كما انتقدت منظمة "العفو الدولية" ومنظمة "فريدوم هاوس" القانون. بل أكثر من ذلك فقد دعا الرئيس السابق "عبد الله جول" وهو عضو مؤسس للحزب الحاكم – البرلمان إلي مراجعة القانون.وفي الوقت الذي تشتد فيه المعارضة لهذا القانون الجائر مضي البرلمان في مناقشاته "المسائية للقانون" وبعد جلسة استمرت لنحو 19 ساعة أجاز ست مواد أخري منه. وينص القانون علي منح الشرطة حق التفتيش العشوائي للمنازل والسيارات دون اذن مسبق وكذلك الاعتقال لمدة 48 ساعة للاشتباه واستخدام المياه الملونة في فض المظاهرات وهي مياه تحدث حروقا في الجلد تستمر لأيام واذا ما لجأ المتظاهرون إلي تغطية وجوههم خلال المظاهرات فإن القانون يعاقب بالسجن لمدة خمس سنوات من يتم اعتقاله منهم. وبحسب القانون أيضا فإن عناصر الشرطة سيكون من حقها ان تطلق النار علي من تعتقد انه يحاول الهجوم علي اي مبني او سيارة. ويشير الكاتب إلي القمع الموسّع الذي بات في نسيج الدولة التركية تضطلع به السلطات. فيقول ان الصحفيين يسجنون بسبب تغريدات يسجلوها علي حساباتهم علي موقع "تويتر" والطلبة يعتقلون بسبب "إهانتهم" للرئيس أما المتظاهرون فيقتلون في الشارع دون اي حصانة لهم كمدنيين. وينقل الكاتب عن منظمة العفو الدولية ان السلطات في تركيا "باتت أكثر سلطوية" وهي تنتهج عنفا ممنهجا ضد المرأة ولا تقوم بأي تحقيقات في قتل المتظاهرين رغم الدلائل التي تفيد تورط الشرطة. ويختتم الكاتب بالقول ان تركيا ماضية وعازمة علي تشديد القمع حتي تطلق يد الحكومة في التعامل مع ملف الأكراد وحتي تنطلق حكومة "العدالة والتنمية" في السيطرة علي المجتمع قبل الانتخابات التشريعية المقررة في يونيو القادم.