ليس غريبا ان أشعر بالسعادة لهؤلاء الاموات الذين اختار الله ان تنتهي حياتهم وهم يؤدون فريضة الحج او العمرة، فماتو في أشرف موقف. وفي كل مرة اسمع إمام أحد الحرمين الشريفين اثناء زيارتي الاخيرة للعمرة وهو ينادي عقب الصلوات: »الصلاة علي الاموات يرحمكم الله« يرتفع هتاف في داخلي: »وأنا يا رب.. هل يمكن ان أحظي مثلهم بهذا التشريف والاكرام؟« ثم ما يلبث ان يتوه السؤال وانا أقف مع ملايين المصلين نؤدي صلاة ليس فيها ركوع ولا سجود علي اموات لا نعرفهم ولا تربطنا بهم أي صلة.. فيأتي الدعاء لهم خالصا مجردا منزها لوجه الله، وربما كان واحد.. ولو واحد فقط من هؤلاء المصلين مستجاب الدعوة فيدخل الميت الجنة بدعائه من غير مناقشة حساب ولا سابقة عذاب.. فهل هناك ما هو أروع من ذلك؟ أكيد لا.. فطالما اننا في النهاية سنموت فعلينا ان ندعو ربنا بقوة ألا نموت موتة فطيس في البيت او في المستشفي، كمدا أو مرضا وانما نموت في مكةالمكرمة أو المدينةالمنورة، وان يصلي علينا هذه الملايين من الصالحين، وقد عرفت حديثا شريفا مبشرا يقول فيه النبي صلي الله عليه وسلم اذا صلي وراء الميت اربعون صالحا وفي رواية مائة صالح دخل الجنة.. والذي لاشك فيه ان هؤلاء المصلين في الحرمين الشريفين من الصالحين والا فبماذا تصف اناسا اتي الله بهم من كل مكان انفقوا اموالهم وسافروا في رحلة جهادية طويلة فكأن الله اختارهم بالذات ليؤدوا الصلاة علي الاموات في الحرم او يمكن القول ان الله قبض ارواح هؤلاء الاموات في هذه الاوقات والاماكن بالذات ليصلي هؤلاء الصالحون عليهم فيتحقق فيهم حديث الرسول صلي الله عليه وسلم فيدخلون الجنة.. المهم انني وسط هذه المشاعر القلقة من ألا اموت في أحد الحرمين شعرت بالخوف ورحت افكر في طوق نجة آخر اتشبث به بأن اقوم انا بدعوة من اظن ان فيهم الصلاح للمشاركة في جنازتي والصلاة عليّ.. نعم ومثلما يفعل الناس في حفلات الزواج وعقد القران بتوجيه الدعوات للاقارب والاصدقاء رحت أحدد اسماء بعينها من اهلي واصدقائي واكتب اسماءهم وارقام هواتفهم واسهل وسيلة للوصول اليهم ادونها في وصيتي الشرعية لتكون تحت نظر اسرتي، فيتصلون بهم علي عجل ليشاركوا في الغسل والجنازة وحمدت الله ان دونت أسماء أربعين أظنهم صالحين ولا أزكيهم علي الله وسألته هو سبحانه وتعالي ان يرسل من عنده من يكمل بهم المائة املا في العفو والرحمة وسعيا للأخذ بأحوط الاسباب.. ولكنني مع ذلك لم اتوقف عن دعاء سمعته ومازلت اردده في كل مناسبة »اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك والموت في بلد حبيبك وارزقني دفنا بالبقيع« فاللهم تقبل.. وها أنا انتظر. موبايلات الحرم ربما لم يصدق كثير من زوار المسجد النبوي بالمدينةالمنورة ان الله وفقهم وأتي بهم الي هذا الحرم فانساقوا وراء تصوير المسجد واركانه او تصوير انفسهم في أرجائه تخليدا لهذه اللحظات الفارقة وربما تمادوا أكثر في مكالمات هاتفية عالية الصوت لذلك ما ان اختتم الشيخ عبدالرحمن الحزيفي إمام المسجد صلاة المغرب حتي وجه خطابه غاضبا للمصلين الذين انشغلوا بموبايلاتهم عن التسبيح والذكر والدعاء في هذا المكان المقدس قائلا: لماذا يتعمد بعض المصلين ان يجعلوا للشيطان من عباءتهم نصيبا في هذا الوقت الثمين؟ تسبيحة واحدة تعدل أكثر من الدنيا وما فيها. وشعرت بحرقة الامام علي هذه الانتهاكات التي يرتكبها الناس بدم بارد والتي وصلت بالبعض لان يلتقط الصور للحجرة النبوية حيث عاش ودفن رسول الله صلي الله عليه وسلم.. وحراس الحجرة بمنتهي الصبر يوجهون الزوار ألا يفعلوا ذلك ارتفاعا بمقام المكان وقدسيته فليس هنا مقام التصوير وإنما الخشوع والسلام والدعاء، ورغم الحجة البالغة والكلام الحكيم إلا ان الناس ما ان انتهوا من صلاة سُنة المغرب حتي وجدت العشرات منهم يردون علي هواتفهم أو يقفون لالتقاط الصور التذكارية كأنهم لا يخافون العاقبة.. وتساءلت هل الي هذا الحد يستحوذ الشيطان علي سلوك الانسان؟ ولم أملك إلا الدعاء بأن يهدي الله امة الحبيب الي أرشد الأعمال. تجارة مع الله الثلاثاء: هذا الرجل يتاجر مع الله بذكاء يستحق التحية والتقدير.. هداه تفكيره لان يشتري آلاف من المسابح »جمع سبحه« بألوان وأشكال جميلة.. واثار سلوكه دهشتي حتي انني سألته هل ستفتح دكان بهذا العدد الضخم من المسابح؟ ورد باجابة زادت دهشتي: قال: سأقول لك حتي لا اكون قد كتمت خيرا.. شوف يا سيدي: انا اهدي هذه السبح لاغلب من اعرفهم، وأجمع الباقي واذهب الي مساجد مختلفة اضع في كل منها مجموعة، وأعطي أصدقاء ومعارف يسكنون في مناطق بعيدة أعدادا من المسابح وأوصيهم ان يتركوها في مساجدهم ليأخذها من يريدها، ثم سألني ضاحكا، تفتكر الناس حتاخد السبح ليه؟ قلت: لتسبح بها الله، قال باشراق وهو يؤمن علي كلامي: الله ينور عليك، هذا هو المطلوب، فانت بهذه السبحة البسيطة تساعدهم وتشجعهم علي الذكر والتسبيح ثم اضاف وكأنه يبرهن صحة كلامه وقال: امسك سبحة في يدك وستجد علي الفور اصابعك تعد ولسانك يسبح.. فلو تقبل الله من اي انسان تسبيحة واحدة انا المستفيد وهي فائدة ليست صغيرة.. فكلمة سبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماوات والارض، فما رأيك في هذا المكسب الضخم؟ ألا يستحق ان نبذل امامه بعض المال في شراء هذه المسابح وتوجيه الناس بذوق ولطف لان يتذكروا الله، ويعظموه!! بصراحة اثار الرجل إعجابي بمهارته وحرصه وذكائه، وتذكرت علي الفور صديقا لي في القاهرة يشتري في بداية السنة نتائج العام الجديد ذات الاوراق الكبيرة والارقام الواضحة وهي تتفوق في بيانها عن اي نتائج اخري ثم يقوم بتوزيعها علي المساجد لاستخدامها في معرفة مواقيت الصلاة والاذان، وكنت اظنه يبعثر نقوده وهو يطبع آلاف الاوراق الملونة من اذكار الصباح والمساء ويتركها للناس في المساجد دون مقابل علي أمل ان يقرأوها فيستفيدوا جميعا منها ويحصل هو علي مثل اجورهم اجمعين مصداقا لحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم »الدال علي الخير كفاعله«.. وقلت اكتب لكم حكايته ايضا حتي لا أكتم عنكم خيرا. ثعابين سحرة فرعون أي خالق يريد ان يصنع شيئا فلابد له من مادة خام يصنعها منها، ولكن الله لا يحتاج لمادة خام لانه هو الخلاق سبحانه يخلق من العدم ويقول للشيء كن فيكون.. وأي شيء مخلوق لا يتحول الي عدم من نفسه ابدا وانما يتحول الي شيء آخر.. الورقة اذا احرقتها تتحول الي أبخرة وكربون، والماء اذا شربته والطعام اذا اكلته وجسد الانسان اذا دفنته.. كلها وغيرها تظل باقية ولكن تتحول الي صور اخري قد تراها او لا تراها.. ولكن هناك شيئا واحدا فقط تحول من كينونته الي عدم، لم يتحول وانما انتهي ولم يعد له وجود، هل تعرف ما هو؟ انها عصي وأحبال سحرة فرعون.. نعم فهي الشيء الوحيد الذي ذهب الي العدم. فقد ألقاها السحرة وسحروا بها أعين الناس فأصبحت ثعابين تتلوي وتجري علي الارض ثم امر الله سيدنا موسي بأن يلقي عصاه فألقاها فاذا بها حية تسعي تلقف وتأكل حياتهم كلها فلم تبق منها شيئا، وعندما امر الله موسي بأن يسترد ما ألقاه عادت عصاته في يده كما كانت، لم يخرج لها كرش او تزداد سماكة او طولا.. فأين ذهبت احبال وعصي سحرة فرعون؟! هذا هو السؤال.. لقد عادت الي العدم الذي جاءت منه بأمر من الله.. انها فقط مجرد صورة للتفكر والتدرب علي معرفة الله.. فالله يحب العبد الذي يستخدم أعلي نعمة انعم بها عليه وهي نعمة العقل في التعرف عليه ومعرفة قدرته وآياته، وكما قال الحبيب تفكر في آيات الله ساعة خير من عبادة 06 سنة!.. فلماذا يغفل الناس عن عبادة التفكير في ملكوت الله؟. اللحن بالقرآن الخميس: أسعدني وجود مقريء مشهور في إحدي دور المناسبات عندما ذهبت للعزاء في والد احد اصدقائي.. ومنيت نفسي باستماع وانصات وتأثر بالقرآن العظيم ولكن فوجئت بالقاريء المشهور يتلاعب بكلمات القرآن في سلطنة عجيبة وكأنه يلحنه علي العود! وتساءلت ماذا نفعل عندما نري ونسمع كلام الله والسادة قراء القرآن الافاضل تحولوا به الي مطربين يتأوه من حولهم المعجبون، تجد القاريء يتلو آيات النار والوعيد والعذاب وبدلا من ان يلتزم المستمعون بالوقار والاعتبار وتبدو عليهم امارات الخوف والخشية اذا بهم يصيحون إعجابا وتيها الله.. الله.. ويلحون عليه ان يكرر ما قرأه! لقد جلست استمع معهم وانا غير مصدق لهذا العبث ووددت لو اني قمت من مجلسي ولطمت السيد القاريء بعشرين صفعة علي وجهه تأديبا له ولأمسكت بالميكروفون ووجهت اللوم والعتاب لجميع الجالسين الذين رسموا علي وجوههم علامات التأثر بينما واحد منهم لا يحرك ساكنا لايقاف عبث هذا القاريء وامثاله الذين يتربحون بالقراءة في هذه المناسبات!.. واول ما يلفت انتباهك في هذه السرادقات مكبرات الصوت الهائلة التي تعطي رجع صدي ثلاث مرات فتسمع الصوت مجسما بتردداته بطريقة تصم الاذان، فاذا حاولت الاصغاء لا يصل اليك من كلام القرآن شيئا.. وثانيا: ان القراءة في الحقيقة ليست للانتباه والعبرة او لتذكرة الانسان بأن الدور عليه وان الموت قادم لا محالة مهما عاش ومن الواجب ان يستعد له وانما انقلب الموضوع لجلسات حوار ونميمة في امور الدنيا وأحوال الحياة، يحتسي فيها الناس القهوة والشاي ويدخنون بشراهة كلما توقف القاريء للاستراحة فاذا عاد القاريء للقراءة اطفأوا سجائرهم وادعوا الاصغاء والاهتمام بينما هم وانا لا نستمع الي شيء بسبب علو الصوت وترددات رجع الصدي! وما استفزني ان هذا القاريء ظل يردد آية واحدة أكثر من عشر دقائق، يتلو كلمة، ثم يتلو كلمتين، ثم يعود فيتلوهما معا مع كلمة ثالثة وهكذا ظل يروح ويجيء ويلحن ويمعن في التطويل حتي طلعت روحي وانا احاول المتابعة ليكتمل اي معني لما يقرأه، واكثر ما اوجعني ان الناس راضية وتقبل هذا الازعاج فقط لملء الوقت حتي هممت ان أوبخ من جئت لمواساته علي هذه الاساءة للقرآن والتي لا يشعر انه يرتكبها! ان للقرآن حرمة، وما يحدث في سرادقات العزاء هو انتهاك صريح لهذه الحرمة ومن يرتكب ذلك لا ينبغي فقط إيقافه بل عقابه!.. وبالمناسبة فالسنة الصحيحة ان يؤخذ العزاء علي الميت بعد الصلاة عليه في المسجد أو علي رأس القبر بعد الفراغ من دفنه، لكن الذين لا يفهمون يقيمون سرادقات ويأتون بمثل هؤلاء القراء ولا مؤاخذة!