يحلو للبعض تكرار الحديث عن غياب مشروع قومي يوحد المصريين علي هدف واحد و برؤية مشتركة, ويخلق بداخلهم الحافز للعطاء الوطني و ينمي مشاعرهم القومية. ويرتبط بالحديث السابق كلام آخر أكثر شمولا مثل غياب إعلام عربي موحد, أو من نوعية تضارب الرسالة الإعلامية في البلد الواحد, و بمعني عام تنصب هذه الرؤية علي فكرة غياب التوحد عن المصريين والعرب. وربما كانت هذه الرؤية صحيحة, بل هي كانت كذلك, في حقب و عصور سابقة, تأسست علي فكرة' الواحدية', أو قيادة تيار فكري واحد للمجتمع, مسئول عن التفكير والتخطيط في شتي نواحي الحياة, نظير توفير الخدمات للشعب القائم علي التنفيذ دون المشاركة في ما يسبق ذلك من مراحل. هنا كان يمكن الحديث عن مشروع قومي يفرضه الحاكم- وهو جماعة سياسية واحدة و التوحد خلفه طبيعيا في ظل غياب الرأي الآخر, أو الجماعة الثانية المضادة للفكرة. و في الحقبة الآخيرة غاب الأساس الموضوعي المساند لفكرة المشروع الواحد, فالتعددية باتت هي الأساس الجديد الحاكم للمجتمع بكل تفاصيله, بما في ذلك الرؤية المستقبلية, والأهداف العامة. أصبح من الصعب بل من المستحيل اتفاق شعب بأكمله علي رؤية وحدة أو مشروع موحد' قومي' إذ أن الإنحيازات اختلفت, والتعبير عنها تباين, ولم تعد المصلحة الوطنية واحدة, بل تعددت بتعدد الرؤي والانحيازات. حديث المشروع القومي أو الرؤية الموحدة لم يعد اساسا ملائما للعمل الوطني الآن, قدر ما أصبح مطلوبا الاعتراف بالحق في امتلاك الرؤي المختلفة, ومحاسبة الشعب للقائمين عليها بالإبقاء عليهم أو إبعادهم من خلال صناديق الإنتخابات. الإصرار علي رؤية' القومي' أو' الموحد' أشبه بالسير في اتجاه واحد, والرغبة في إقصاء الآخر, و مواصلة مسيرة الرأي الواحد حاكما و محكوما, فالتوحد حول مشروع لم يعد ممكنا سوي في الدفاع عن حدود الوطن. التوحد عودة للخلف.. والتعدد أساس المستقبل. [email protected]