منذ أن التحقنا بالعمل الإعلامي مذيعين ومقدمي برامج قبل نصف قرن من الزمان كنا علي دراية تامة ومعرفة اكيدة ان البرامج التي يبثها الراديو يخطط لها قبل انتاجها وتسجيلها بثلاثة اشهر حيث كان العام مقسما إلي أربع دورات إذاعية كل دورة مدتها ثلاثة اشهر وكانت دورة يناير وفبراير ومارس, تتم مناقشة برامجها ويوافق عليها في اكتوبر من العام السابق وعلي الأكثر في اوائل نوفمبر. وكان هناك من مسئولي الادارات والمديرين من يطلب من مقدمي البرامج المنوط بهم تقديم انتاجهم في الدورة ان يسجلوا البرامج الزيرو لكي تعرض عليهم لتقييمها وتصويب ما قد يكون بها من سلبيات سواء في لغة الحوار أو حتي في النقلات الموسيقية بين الفقرات وكان مقدم البرنامج ملزما بأن يقدم كشفا بحلقات برنامجه والموضوعات التي سيناقشها في هذه الحلقات وهل هي موضوعات حية وله ثقلها أم انها موضوعات ليس لها وزن وكذلك الأمر بالنسبة لضيوف مقدم البرنامج ليس كراهية في هذا الضيف اوذاك وانما للاستيثاق من ان الضيف يستحق بالفعل ان يكون ضيفا علي الإذاعة هذه القاعدة كان معمولا بها ابان ان كانت الإذاعة لا تبث الا حوالي عشرساعات يوميا, ولكن عندما تضاعفت ساعات الارسال وتقدمت الشبكات كان من الصعب ملاحقة كل البرامج وان كانت القاعدة لاتزال راسخة وهو ان مقدم البرنامج لابد وان يطلع رئيسه علي فحوي برنامجه بعد أن يكون هذا البرنامج قد اجازته اللجنة العليا للبرامج في اجتماعاتها التي لا تنقطع قبل بدء الدورة تكريسا لمبدأ ان الميكروفون لا ولن يكون مجالا لبث ما لا يتفق مع القيم والأعراف والأصول التي يجب ان تراعي بدقة متناهية ولذلك كان الخطأ نادرا ما يحدث خلال البث الاذاعي واذا حدث فإنه يعتبر خطيئة كبري لا تغتفر لصاحبها ويعاقب عليها عقابا شديدا, مثلا لو أن مذيعا ما اخطأ في اللغة صرفا او نحوا كان يبعد عن الميكروفون لمدة أسبوع او اسبوعين إلي ان يذاكر ويجيد اللغة وإذا اخطأ مقدم برامج في أدب الحوار او قال كلاما ما ولو من خلال زلة لسان فإن ذلك كان يعد من قبيل الخطأ الفادح, الذي يعاقب مرتكبه واذكر اني مرة أخطأت في نطق اسم مقر رئيس الوزراء البريطاني فكان التكرير الشديد لولا انها كانت الغلطة الأولي فما بالكم لو أن الخطأ جاء في صورة لفظ قبيح يخرج من الميكروفون حتي إن لم يكن لمن اخطأ اي ذنب وانما الحظ السييء, وقد حدث هذا بالفعل لاستاذ لنا يرحمه الله الذي كان مذيعا رائعا ورائدا من رواد الإذاعة وصاحب اعمال إذاعية لاتزال تعيش في الوجدان, وكان إلي جانب عمله كرئيس لاحد الأقسام الفنية بالإذاعة يسعد لصوته المستمعون من خلال قراءته لبعض النشرات الأخبارية وتنفيذه لبضع نوبات امام الميكروفون, وفي احدي هذه النوبات, وكان فترة السهرة وبعد أن قدم أغنية من الأغنيات واغلق الميكروفون ولكن من سوء الحظ اصاب الميكرفون خلل هندسي مماجعله مفتوحا رغم اغلاقه. الأغنية كانت مسجلة علي اسطوانة ولسوء الحظ ايضا كان بالاسطوانة شرخ جعل الأبرة تعود إلي الخلف بدلا من السير إلي الامام وتنبه الاستاذ وحاول اصلاح الخلل مرة ومرة وهو لا يدري ان الميكروفون مفتوح علي الهواء فعلق علي الوضع بكلمة تؤذي السمع وجاء المهندسون يجرون من غرفة المراقبة واصلحوا عطل الميكروفون ولكن بعد أن وقع المحظور, استاذنا هذا لم يعد يقرأ النشرات ويعمل مذيعا مكتفيا بعمله في إدارة القسم الذي يرأسه ولولا ان السبب فيما حدث كان لعطل هندسي ولولا ان الرجل له تاريخه الإذاعي الناصع لاصابه جزاء آخر أقوي وأشد, اقول هذا وفي الذهن الليلة اياها التي بث فيها احد البرامج التليفزيونية سهرته الكاملة ولمدة ساعتين وخصصها في محاولة صلح لاتهم احدا من المتلقين وللأسف امتلأت السهرة بفاحش القول والساقط من اللفظ.