بمجرد أن تظهر أي مشكلة في المجتمع المصري أواختلاف بين التيارات السياسية سواء كان بين التيارات الاسلامية أو بعضها أو بين التيار الليبرالي أو اليساري تظهر دعوات علي الفور تنادي بمصطلح جديد يسمي التوافق في حين أن الاختلاف طبيعة بشرية فلو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة.. وقد أجمع الخبراء علي أن مصطلح التوافق غير موجود في قواعد اللعبة السياسية كما أن دعوات التوافق تنتهي دائما بدون أي نتائج ملموسة تساعد في حل المشكلات بل بعضها يزيد من حدة تفاقم الأزمة, خاصة أن المعارضة لم تقدم حلولا وتأخذ اتجاها معارضا علي طول الخط بشكل غير مبرر... في البداية يقول الدكتور حمدي عبد الرحمن أستاذ قانون مدني وعميد كلية حقوق جامعة عين شمس السابق إن هناك أزمة حقيقية بين جميع أطراف اللعبة السياسية لاختلاف الرؤي والمعتقدات, فضلا عن انعدام الثقة في الآخر وتمسك كل طرف برأيه مما أنتج حالة من التشرذم باتت سمة المجتمع المصري وأصبحت تعرقل مسيرة العملية الديمقراطية. وأشار إلي حاجتنا الماسة للتوصل إلي حد أدني من التوافق عن طريق تنازل كل طرف عن بعض حقوقه لإرضاء الطرف الآخر, بالإضافة إلي ضرورة الشفافية والمصارحة بما يضمره كل طرف من خطط مستقبلية لبناء الوطن, لافتا إلي ضرورة الإعلاء من المصلحة العليا البلاد مقابل أي مصلحة شخصية. وأكد دكتور صابر السنوسي أستاذ قانون عام بحقوق القاهرة أن التوافق كلمة يزعمها البعض ولن تتحقق أبدا, مؤكدا أنه لا مفر من التسليم برأي الأغلبية في حال اختلاف وجهات النظر وتعارض الأفكار, لافتا إلي أن لجوء المواطنين للقضاء للفصل بينهم حول القضايا الخلافية يمثل دليلا واضحا علي انعدام مفهوم التوافق في شتي مجالات الحياة. وفي نفس السياق قال أحمد سبيع المستشار الإعلامي لحزب الحرية والعدالة إن هناك نقاطا عريضة وأهدافا مشتركة متفق عليها بين أطراف اللعبة السياسية, إلا أن الاختلافات تتمثل في آليات تحقيق تلك الأهداف من حيث البرنامج والرؤي والخطط المتباينة, مشيرا إلي أن عدم القدرة علي الاتفاق حول برامج بعينها هو حالة التربص المستمرة وتصيد الأخطاء للطرف الآخر وعدم تغليب المصلحة العليا للوطن. وأوضح أن الاختلاف الذي يحقق أهداف المنافسة الإيجابية عن طريق الاستفادة من طرح العديد من الأفكار يعد أمرا صحيا ومطلوبا في ظل التجربة الجديدة التي نمر بها, وهو ما يقتضي اقتصار دور المعارضة علي طرح أفكارهم وبرامجهم مع العلم بأنها ليست ملزمة للحكومة وليس من الضروري أن يسلم بها رئيس الجمهورية, كما أن عليهم التسليم بأن الرئيس هو صاحب الكلمة الأخيرة لأنه هو من سيتحمل المسئولية كاملة, لافتا إلي أن إصرار المعارضة علي تعنتها في محاولة فرض آرائها بالقوة يعد خروجا علي الشرعية وانقلابا واضحا علي الديمقراطية. وقال دكتور جمال حشمت عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين إنه لابد من وجود قدر من الاختلاف حول القضايا الفرعية وآليات الوصول إلي الأهداف الرئيسية المتفق عليها, ولكن هناك خطوطا حمراء تمس المصلحة العليا والتي لايجب أن يتعداها أي فريق مهما كان خلافه السياسي لأن الخلاف حولها يعد كارثة قد تودي بحياة الوطن. ومن جانبه أكد محمود السقا عضو الهيئة العليا لحزب الوفد أن كل الشواهد علي أرض الواقع تنم عن صعوبة تحقيق التوافق بين القوي المعارضة والحزب الحاكم في المدي القريب لأن الخلاف لا يقتصر علي كونه سياسيا فحسب, بل عقائديا وفكريا وأيديولوجيا أيضا, وهو ما ينذر بخطر حقيقي علي المجتمع المصري. ويري الشيخ يوسف البدري الداعية الإسلامي أن التوافق بين العباد بشأن القضايا الحياتية أمر بعيد المنال, لأن الله قد خلق البشر مختلفين, كما جاء في قوله تعالي: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك, وقوله: ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين. وأضاف أن كلا منا يري الحياة من منظور مختلف ومن ثم تختلف الأساليب والمعتقدات بحيث يصعب بل يستحيل اجتماع البشر علي كلمة سواء خاصة إذا ما تعلق الأمر بالمجال السياسي الذي تتسم قضاياه بالجدل, لافتا إلي أن المصريين يعيشون مرحلة مخاض وجرح كبير بعد انقشاع ظلام عصور الاستبداد, مما يعمق الخلافات حول أبرز القضايا المثارة. وأكد أنه لايوجد ما يسمي بالتوافق في قواعد اللعبة الديمقراطية لأن الديمقراطية تعني انصياع الأقلية وراء حكم الأغلبية, لافتا إلي أن استقرار الوطن يحتاج دعم وتكاتف كل الفصائل لا فصيل بعينه مما يستوجب نبذ الخلافات والسعي لتقريب وجهات النظر. وقال دكتور عثمان محمد عثمان رئيس قسم العلوم السياسية جامعة6 أكتوبر إن الخلاف بين القوي السياسية في مواجهة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية أمر طبيعي, مشددا علي ضرورة عدم تعليق المشكلات وتعطيل مصالح الشعب بحجة عدم التوافق, فعلي الحكومة وضع حلول فورية لحل المشكلات الطارئة, وأن تأخذ من المعارضة ما تريد وما يفيد برنامجها بما يحقق مصلحة المواطنين, كما يجب علي القوي المعارضة أن تنحي مسألة التوافق جانبا وتدرك أنها إن كانت تسعي للتوافق فهي لا تملك سوي التواصل مع الشعب وبذل الجهد من أجل كسب مزيد من الثقة والتأييد الشعبي. ويري جمال زهران أستاذ علوم سياسية بجامعة قناة السويس أن مفهوم التوافق يعني محاولة تقريب وجهات النظر حول بعض القضايا وليس الاتفاق التام حول كل القضايا المثارة والذي يقع في بند المستحيل, مؤكدا أن الصراع سيستمر بين الأطراف السياسية وسيزداد التعنت مع كل قرار أو موقف سياسي يتخذ من أي جهة وهو ما قد ينذر بثورة أخري عاجلا أم آجلا.