32 عاما مضت علي رحيل هذا الصوت الرائع الذي يخاطب الأحاسيس والمشاعر, وكانت ألحانه تعبر عن موهبة حقيقية كامنة داخله فهو المطرب والممثل والملحن السوري فريد الأطرش شقيق الفنانة أسمهان وابن الأميرة علياء حسين المنذر المطربة صاحبة الصوت الجميل. ولد فريد عام1917 في جبل الدروز بسوريا وما لبث أن هرب مع والدته وأشقائه إلي القاهرة خوفا من الفرنسيين العازمين في اعتقال عائلة الأطرش لما لها من وطنية وخاصة والده فهد الأطرش الذي قاتل ضد الفرنسيين في جبل الدروز بسوريا, وقد ضاق بهم الحال بعد المجيء إلي القاهرة مما دفعهم للبحث عن مصدر رزق وكان هذا سببا في لجوء الأم للغناء, وكان فريد يعمل في بعض المجالات لمساعدة والدته في إعالة الأسرة, ونصحها بعض الأصدقاء بإلحاق ابنها في معهد الموسيقي العربية ليحصل علي قسط وافر من التعليم الجاد المتخصص بعد أن قامت بتعليمه العزف علي آلة العود من خلال الملحن' فريد غصن' وبالفعل تقدم إلي المعهد وعزف هناك وأشاد بأدائه الممتحنون بالمعهد وكان ذلك بمثابة شهادة ميلاد جديدة له في المجال الفني, والتحق بعدها بفرقة' بديعة مصابني' كعازف ثم ما لبث أن أقنعها بصوته وبدأ الغناء مع الفرقة إلي أن استمع له' مدحت عاصم' مراقب الموسيقي بالإذاعة المصرية وقدمه من خلال ميكروفون الإذاعة للجماهير وقدم أغنيته الأولي' يا ريتني طير' والتي لاقت نجاحا جماهيريا انطلق منها إلي الجمهور كمطرب وملحن فضلا عن إنه عازف عود بارع فهو في مقدمة أمهر عازفي العود لقدرته التكنيكية العالية وإحساسه الفني وانتقاله فيما بين المقامات العربية بحرية وطلاقة أسعدت القلوب قبل العقول. وتتميز كثير من أغنياته بعزف آلة العود التي تطبع موسيقاه بالشرقية الصميمة التي احتفظ بها طيلة حياته وفي كل إبداعاته تقريبا, وأدخل فريد الكورال علي الأغنيات العربية ليزيد من إحساسها الشرقي, وتتميز ألحانه بالرقي وخصوبة الأفكار المتعددة كما تغلب عليها مسحة حزن ترجع لظروف تنشئته ولاعتقاده وإيمانه بأن الشرق غامض وحزين وهو ما يتفق بطبيعة الحال مع المقامات الشرقية الأصيلة التي تعيش في وجداننا جميعا. ومن أشهر أغنياته' منحرمش العمر' في فيلم( حكاية العمر كله)' يا زهرة في خيالي',' الربيع',' أول همسة',' طال غيابك' وغيرها مجموعة كبيرة من أروع الأغنيات التي ما زالت تحيا في وجدان المستمع العربي. والأوبريتات الغنائية حققت نجاحا كبيرا وإقبالا جماهيريا مثل' بساط الريح' في فيلم( آخر كذبة) و'غنا العرب' في فيلم( بلبل أفندي), كما قدم لحنين لهما في النفس أثر كبير علي الوحدة العربية بين الدولتين مصر وسوريا وذلك من خلال أغنية' من الموسكي لسوق الحميدية', و'حموي يا مشمش'. كما قدم تسعة وعشرين موسيقي للأفلام فيما بين ألحان أو موسيقي فيلمية وكتب قصة فيلم واحد فقط هو' قصة حبي' عام1955 وأعد السيناريو والحوار له, كما أنتج ثلاثة أعمال سينمائية هي' قصة حبي',' الخروج من الجنة',' حبيب العمر' وأشرف علي انتاج فيام واحد هو' أحبك انت'. وقدم مجموعة كبيرة من الأفلام للسينما المصرية, كما كون دويتو رائعا مع الفنانة الراحلة' سامية جمال'. ولا نستطيع أن نغفل إسهاماته في الموسيقي البحتة حيث قدم مجموعة من الأعمال الجميلة منها' زمردة',' كهرمانة',' سوق العبيد' وغيرها. وتوفي فريد الأطرش صاحب الأصابع الذهبية والألحان الإبداعية في السادس والعشرين من ديسمبر عام1974 تاركا لنا ميراثا فنيا ضخما متمثلا في أكثر من أربعمائة أغنية وعشرين أوبريتا غنائيا وأعمالا موسيقية هذا بالإضافة لإنتاجه السينمائي وكل هذه الأعمال حصيلة إبداعه في مشواره الفني الذي تجاوز الأربعة عقود أمتعنا خلالها وما زالت تمتع جماهيره العريضة في الشرق بل وتجاوزت بعض أعماله تلك الحدود ويستمتع بألحانه العذبة الرقيقة الجميع رحم الله فريد وكل من أسهم في وضع بصمات تؤكد علي هويتنا الشرقية والعربية.