هل رأيت هيئتهم المفزعة؟..شعورهم المنكوشة ولحاهم الكثة؟ هل تقززت من ملابسهم التي جعلها العرق قطعا من الجلد المملح؟ هل شاهدت أحدهم متكورا إلي جوار حائط يلسعه البرد وتأكل الشمس رأسه وتسكن الحشرات ثيابه؟ لابد أنك رأيت أحدهم هنا أو هناك وأنت تتلفت يمينا أو يسارا..علي الأرصفة وفي الميادين وأمام سلالم محطات المترو,بالتأكيد تري منهم الكثير وتتلوي من الألم وتشعر بالخزي وقلة الحيلة لأنك لاتقدر أن تمد إليهم يد المساعدة. الناس يسمونهم مجانين الشوارع والظروف حولتهم الي شواهد حية علي امتهان الآدمية والكرامة الإنسانية, وتجاهل الدولة لهم رغم أنهم مواطنون لهم ما لنا وليس عليهم ماعلينا..كل العيون تراهم إلا أعين المسئولين, لكن عين الله لاتغفل ولاتنام. في دول الغرب,يبحث الناشطون في حقوق الحيوان عن قطة شاردة,أو كلب ضال ليوفروا لها أو له المأوي والرعاية, إحساسا منهم بالألم نحو ذلك الحيوان الأخرس الذي لن يبكي إذا أغرقته أمطار الشتاء أو حرقته شمس الصيف, أو قرصه الجوع, يفعلون ذلك انتصارا لكرامة الحيوان وحقه في حياة كريمة. هكذا تعامل الحيوانات في بلاد العم,أما في بلادنا فلم نصل بعد إلي تلك الدرجة من الرفاهية والفراغ, فنحن نعتقد أن القطة لص يسرق السمك, والكلب حيوان نجس مكانه الزبالة,كما نعتقد أيضا أن الرجل المختل عقليا لاعيش له بين أربعة جدران مسقوفة,بل يخرج إلي الشوارع سارحا أو علي الرصيف نائما. إهمال المختلين عقليا وتخلي الدولة عنهم جريمة بشعة لعدة أسباب: أولها أن هؤلاء الأشخاص مواطنون مصريون, وتجاهلهم امتهان لهم, وثانيها: أن هؤلاء تصدر عنهم تصرفات غير مسئولة في نهر الطريق تخرج عن الآداب العامة فمنهم رجال وسيدات يتجردون من ملابسهم أمام المارة, أو يصاب أحدهم بحالة من الهياج فيقذف الناس بالحجارة ويصيبهم بالذعر,وثالثها: أن تلك المشاهد يطالعها السائحون ومنهم من يلتقطها بعدسته, وفي ذلك رسالة غير محمودة لبلد قامت فيه ثورة؟ ورابعها: أن هؤلاء المساكين يصبحون لقمة سائغة لتجار الأعضاء البشرية وعصابات الليل. أعتقد أن الدولة لن تتكلف كثيرا إذا ما أرادت أن تنتشل هؤلاء من الشوارع, فلن يتطلب الأمر سوي أن تعهد الحكومة إلي الوزارات المعنية بحصر أعداد هؤلاء وجمعهم وإيداعهم مستشفي آدميا للأمراض العقلية, ليرعاهم متخصصون يكفلون لهم الطعام والكساء والأمان بعيدا عن الشوارع التي ماعادت ترحم بشرا ولا حجرا. أوجه هذه الدعوة لحكومتنا الموقرة نيابة عن شريحة من رعاياها لاتعرف معني الاحتجاج ولن تتمكن من التظاهر ولن تدخل في إضراب عن العمل أو الطعام للضغط علي الحكومة, وإذا كان الأطباء يضربون طلبا للكادر, ويتظاهر المؤقتون طلبا للتعيين,و صاحب كل مظلمة لنصرته, وتدخل الدولة في مفاوضات مع أصحاب المطالب, فالأولي أن تنصف حكومة قنديل أناسا لايطلبون ولايحتجون..رجالا ونساء فقدوا العقل والأهل والأهلية لكنهم لم يفقدوا جنسيتهم وهويتهم فما زالوا مصريين, ومن كان بلا أب فالحكومة أبوه,وإن كان غير ذلك, فاللهم ارحمنا إذا ماصرنا إلي ماصاروا اليه. [email protected] رابط دائم :