أخيرا قال فريدمان وعبر صفحات النيويورك تايمز أن بلاده تمول الصراعات القبلية والأصولية في المنطقة العربية والشرق الأوسط, تعزيزا للصراع والانقسام من منطلق ونهج نفعي انتهازي بحت. مثير جدا شأن الولاياتالمتحدة, لا تتعلم من اخطائها.. تنسي سريعا ولذلك اطلق عليها الكاتب والباحث الأمريكي الشهير جور فيدال تعبيرUnitedStatesofAmnesia أي الولاياتالمتحدة الفاقدة الذاكرة. حتي الساعة تجد واشنطن نفسها موحولة ومن خلفها حلف الناتو في تبعات تمويلها وتدريبها لتيارات جهادية بعينها في افغانستان من أجل حصار الاتحاد السوفيتي في ثمانينيات القرن المنصرم, ومع ذلك يبدو أن ساستها لا يتعلمون من مؤرخيها, إنها حكم خاضعة, لدافع قسري مهلك, يحملها دوما علي تكرار نفس الأخطاء التي وقعت فيها, علي الرغم من دروس الماضي الرهيب, كما آل البربون. ما السبب وراء طرح علامة الاستفهام حول احتمالات تكرار واشنطن لخطاياها وليس لأخطائها؟ حكما بما يجري في الشرق الأوسط, وما يتردد عن وجود أياد أمريكية خفية, تتلاعب بالقوي الدينية الراديكالية لدفع دول المنطقة في اتجاهات بعينها.. هل هذا الحديث من عندياتنا؟ بالقطع لا, والعهدة هنا علي الراوي توماس فريدمان وما أدراك من هو فريدمان, انه منظر العولمة الأمريكية الأشهر, الرجل الذي أكد مرارا وتكرارا انه يتعين علي الولاياتالمتحدةالأمريكية إمعان التفكير في تصرفاتها, لأن أية خطوة سياسية تقوم بها تجاه العالمين العربي والاسلامي تعد بالغة الأهمية. أخيرا قال فريدمان وعبر صفحات النيويورك تايمز أن بلاده تمول الصراعات القبلية والأصولية في المنطقة العربية والشرق الأوسط, تعزيزا للصراع والانقسام من منطلق ونهج نفعي انتهازي بحت. ولعله قبل الاستطراد فيما أشار إليه أوباما يحق لنا التساؤل هل تلاعبت واشنطن من قبل بالاسلاميين وها هي اليوم تعيد الكرة؟ يكفي المرء جوابا ما أشار إليه المؤلف الأمريكي الشهير روبرت دريفوس في كتابة العمدة لعبة الشيطان.. كيف ساعدت الولاياتالمتحدة علي إطلاق العنان للأصولية الاسلامية, من إن الولاياتالمتحدة قضت عشرات السنين تزرع الإسلاميين وتخادعهم وتتعامل معهم بخبث وبوجهين, تستخدمهم وتسيء استخدامهم كحلفاء لها في الحرب الباردة, لتكتشف فيما بعد أنها ساعدت علي انتشار قوة ما لبثت أن استدارت ضد راعيها بشكل انتقامي. لا أحد يزايد علي فريدمان في ولائه وانتمائه لبلاده, ولهذا فانه عندما يتحدث رجل بوزنه عن ضرورة إعادة التفكير فيما تفعله الولاياتالمتحدة بالشرق الأوسط, فان ذلك يكفي لإثارة القلق وإشاعة المخاوف وبخاصة إن الأصابع الأمريكية تعزف الآن لحنا مسموما علي أوتار التركيبة السامة للقبلية والانقسام بين الشيعة والسنة, والأصولية الدينية.. ما صحة اتهامات فريدمان لبلاده؟ حكما أنها صحيحة إلي ابعد حد ومدي, فواشنطن تلاعبت بالاتجاهات الاسلامية طويلا, وليس بالاسلام كعقيدة ومحتوي ومذهب ديني. واشنطن إمبراطورية تري ذاتها الوريث الشرعي للامبراطورية الرومانية, وليس عبثا أن يطلق علي مبني الكونجرس الكابيتول هيل في إشارة لا تخطئها العين. وكما يؤكد دريفوس: وجدت واشنطن في الإسلام السياسي شريكا مريحا في كل مرحلة من مراحل بناء الامبراطورية الأمريكية في الشرق الأوسط منذ بواكير دخولها إلي المنطقة, وحتي تغلغلها التدريجي, مرورا بتوسعها في المنطقة, ووصولا إلي استقرارها العسكري فيها وظهورها أخيرا كجيش احتلال في العراق وافغانستان.. هل تحمل واشنطن نوايا طيبة أم شريرة للعالم العربي؟ باختصار غير مخل, هي لا تريد سوي استمرارية تزويدها بالنفط, والحفاظ علي انخفاض سقف اسعاره, وان يحسن العرب معاملة اسرائيل, وما هو خارج هذه المطالب يمكن للعرب أن يفعلوا ما يحلو لهم, مما يخالف ما تدعو اليه المبادئ المعلنة للولايات المتحدة نفسها. يمكن للعرب ان يتقاتلوا ويتناحروا إن ينقسموا ويتجزأوا, إلي دويلات وطوائف وجماعات, ويمكن لها أن تغذي هذا الفريق وذاك, والقصص ممتدة من السودان المقسم إلي مصر المراد تقسيمها, مرورا بليبيا المتنازعة وصولا إلي سوريا المتصارعة, والحبل علي الجرار كما يقال. إطلاق الأصوليات علي النحو الذي نشهده الآن وبمباركة امريكية واضحة, أمر في مستهله وقد يكون مبتدأ الأوجاع للمنطقة ولاشك, لكن القائمين علي السياسة الأمريكية الخارجية ربما يفوتهم ان المشهد علي هذا النحو لعبة الشيطان تتكرر من جديد. ويبقي الأهم قبل الانصراف أن نعي جيدا الدرس, دون الدعوة إلي عزل أو إقصاء أو تخوين أي فصيل سياسي أو ديني أو وطني شريطة ألا يقع في حبائل الشيطان نفسه.