اكواخ الخوص المتناثرة تحت لفحة شمس الجنوب القاسية, وبعض الاغنام التي ترعي هنا وهناك حول الاكواخ, خلفية من الجبال والصحراء المقفرة تعاندها بعض المكعبات السكنية الهشة في مهب الريح ولكنها تعلن وجود حياة علي هذه الارض.. مشهد يجعل الاحساس بالمرارة يتسرب إليك دونما اي استئذان فكما قال نجيب سرور الناس من هول الحياة موتي علي قيد الحياة. المصادفة وحدها هي التي جعلتنا نعرف ان هذا المكان يعيش فيه واحد من أهم الشخصيات التي شهدت علي تاريخ مصر وتحديدا علي ترسيم الحدود بين مصر وإسرائيل, في أشهر قضية اخذت الطابع العالمي.. انه الشيخ مسمح, هذا الرجل العجوز الذي حفرت التجاعيد وجهه والذي عرف الشيب الطريق إليه بسهولة, ما ان تنظر إلي عينيه حتي وتشعر وكأنك تجلس امام التاريخ نفسه, ربما اشعرني انني اجلس امام عمر المختار. والحق هناك ملامح مشتركة بينهما وحتي تون الصوت الذي حدثني به ووسط كل المعلومات التي تدور في ذهنه والتي تمكنت الشيخوخة من جزء كبير من مخزونها في ذاكرته فإنه مازال يتذكر جيدا شجر الدوم الذي كانت تشتهر به طابا من ايام الاحتلال التركي والذي كان علامة مميزة ونادرة والذي كان له الفضل في اهتداء عم مسمح إلي حدود مصر اثناء قضية ترسيم الحدود. بدأ عم مسمح حديثه قائلا: كنا نتوارث اشجار الدوم في عهد الاحتلال الإسرائيلي واتذكر جيدا انهم عرضوا علي شراء الدوم بمبالغ طائلة, وقال لي الحاكم العسكري الإسرائيلي, انه علي استعداد ان يدفع اي ثمن فقلت له انني لا ابيع اشجاري ونخيلي لانها بتاعة حكومتنا المصرية والله لو حطيتوا السكينة علي رقبتي ما ابيع ولا شبر. وقتها كنت الوحيد الذي يحمل بطاقة مصرية واليهود كانوا يريدون شراء شجر الدوم لكي يثبتوا ان احد المصريين هو الذي باع لهم, لكن عندهم علم بان المصريين مايبيعوا اراضيهم لانها اعراضهم. اما عن طابا فاتذكر ان لجنة التحكيم الدولية لما جاءت استشهدوا بكلامي وكنت من ضمن الشهود وانا اللي ارشدتهم للعلامة91 اللي بتحدد حدود مصر وبتفرقها عن إسرائيل, العلامة دي كانت فوق الجبل الاسود وأنا حافضها زي ما حافض اسمي رغم ان اليهود حاولوا يمحوها في عام1947 لما كان فيه حجر كبير عند العلامة دي وإسرائيل دفنتها لانها عارفة انه مش حقها لكن انا اللي قلتلهم ان هذا هو الحد الفاصل. ويسترسل عم مسمح متذكرا ايام عبدالناصر الذي وصفه بالزعيم رغم نكسة1967 اللي اليهود قتلوا الجيش المصري فيها بالطيارات وعلي حد تعبيره اللي راح راح واللي قتلوه قتلوه لكن ناصر ايامه متتنسيش, مصر وقتها كان لها كرامة وعزة وصحيح ان السادات هو الذي حرر سيناء من إسرائيل لكن لما راح لإسرائيل وعمل معاهدة الصلح فقدت مصر الكثير من حب بقية الدول العربية, اما مبارك فعمرنا ماشفنا منه اي مباركة أو خير والحاجة الوحيدة اللي فكرينهاله امن الدولة اللي كان بيبهدلنا ويعذبنا ويحبسنا بدون اي ذنب, مش عارف علي اي اساس ناس كتير بتقول علينا خاصة نحن سكان الحدود اننا خونة وتجار مخدرات وسلاح كمان رغم اننا وطنيون اكثر من اي حد فيكي يامصر ولوكنا جواسيس وبتوع مخدرات مكانش ده بقي حالنا, عايشين في عشش من الخوص ولاكهرباء ولابيوت ولاحياة, بس برضه هانعيش ونموت واحنا بنحب تراب البلد دي.