الإرهاب ليس له سقف, فقد ضرب هذه المرة احتفالا بالمولد النبوي الشريف, لم يكن احتفالا للرقص واللهو الذي يعتبرونه فجورا, وإنما احتفال يجمع أئمة مساجد ودعاة ويردد الحضور التواشيح الدينية ويستمعون إلي الابتهالات, هذه هي جريمة من تجمعوا في العاصمة الأفغانية كابول ليلة المولد النبوي, فاندس انتحاري بينهم, وفجر نفسه بين الحضور, ليلقي50 شخصا مصرعهم في الحال, بالإضافة إلي أعداد كبيرة من الإصابات الخطيرة. تتنافس نحو20 جماعة إرهابية علي القتل في أفغانستان, وكلما ازدادت الجماعة تطرفا ووحشية تجد لها مكانا علي موائد التفاوض وتقاسم النفوذ, وتجتذب استثمارات أجنبية تجد في تلك الجماعات وسيلة رخيصة لتحقيق أهدافها, فقد توقفت الدول الكبري عن الدخول في حروب مباشرة شديدة التكلفة, واعتمدت علي التغرير بالمتطرفين في منطقتنا لينوبوا عنها في الحروب بالوكالة, وكانت الولاياتالمتحدة في مقدمة من استخدموا الجماعات الإرهابية في التوظيف السياسي, ودعمت جماعة القاعدة في أفغانستان, ووجدت من يروج لها في الدول العربية, لكن الأدمغة المزودة ببرامج القتل والتخريب خرجت عن سيطرة المبرمجين, ولم تسلم الولاياتالمتحدة من ضرباتها التي شملت كل أوروبا, لكن البلدان العربية والإسلامية دفعت أكبر تكلفة من الضحايا والدمار, ورغم ذلك لم يتوقف الاستثمار في تلك الجماعات الإرهابية, لوجود مهام تعجز الدول الطامعة في المنطقة عن تحقيقها بجيوشها, أو أن التكلفة ستكون أقل كثيرا لو استعانت بدعاة يستطيعون السيطرة علي عقول الشباب بالدعوة إلي الجهاد ونيل الشهادة ونعيم الجنة, بعد تكفير المجتمع المليء بالمعاصي. وبدلا من أن يكون شبابنا من صناع المستقبل ويتنافسون علي التسلح بالعلم لبناء مجتمعاتهم, فقد تحولوا إلي التسلح بالأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة لتدمير مجتمعاتهم. لا يمكن أن تقتصر الإدانة علي الدول التي تستغل شبابنا, وتستخدمهم في التدمير والقتل, فنحن أيضا كان لنا دور في ترك الشباب لهذا المصير, ولم نهتم بتنقية تراثنا من الفتاوي القاتلة, والتي تحولت إلي سلاح فتاك, ولم ننزع فتيل تلك الأفكار الملغمة, والتي وجدت طريقها إلي المساجد والزوايا والجامعات, وظهرت فيها تجمعات تنبذ العلم والمجتمع والدولة, حتي وجدناها تفجر المساجد وتكفر من يحتفلون بمولد الرسول, وتعتبر أن من يستمع إلي الابتهالات والتواشيح الدينية آثم وكافر, فماذا يمكن أن يفعل هؤلاء فيمن يذهبون إلي السينما والمسرح وحفلات الزواج وغيرها من المناسبات غير الدينية. لقد وصلت تلك الجماعات إلي درجة توحش غير مسبوقة, ومن يذهب إلي مدينة إدلب السورية, التي مازالت تحت سيطرة تلك الجماعات سيري عمليات الاغتيال والخطف والقتل المتبادل بين جماعات ترفع جميعها راية الإسلام, وتدعي أنها تعمل علي إحياء الدعوة, لكنها لا تمارس سوي القتل والتدمير. إن بلوغ الإرهاب إلي درجة قتل من يحتفلون بالمولد النبوي لا تعني فقط أن هؤلاء ليس لهم علاقة بالإسلام أو أي قيم إنسانية, وإنما تعني أن التوحش والهمجية قد أطلت تحت لافتات مضللة, وأن علينا ألا نستهين بخطرها, أو نعتقد أنها بعيدة عنا, فتلك الجماعات مازالت تجد من يمولها ويمدها بالمال والسلاح, وتخترق مؤسساتنا وتجند أبناءنا لكي تقتلنا بأيديهم.