أفضت الانتخابات النيابية, التي جرت وفق قانون نسبي, مع صوت تفضيلي واحد, في مطلع شهر أيار( مايو) الماضي إلي تقدم نسبي لما يمكن أن نطلق عليه القوي اللبنانية المحسوبة علي تيار8 آذار, وارتفاع نسبة الأعضاء المقربين من حزب الله, ما حدا بقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إلي القول في حزيران/ يونيو الماضي إن انتصارا كبيرا قد تحقق بفوز الحزب وحلفائه بأربعة وسبعين مقعدا نيابيا من أصل مائة وثمانية وعشرين. لكن وعلي الرغم من فوز تلك القوي بما يعنيه من رمزية سياسية في انتمائها لما يسمي محور8 آذار, أصرت علي تسمية الرئيس سعد الحريري رئيسا مكلفا لتأليف الحكومة بمائة وأحد عشر صوتا, في الوقت الذي أبدي فيه رئيس كتلة الوفاء التابعة لحزب الله محمد رعد, وعلي الرغم من عدم تسمية الكتلة لأي كان, استعداد الكتلة للتعاون الإيجابي مع من سيكلف بتشكيل الحكومة. كل هذا يعود بشكل أساس إلي نتائج التسوية السياسية التي أفضت إلي انتخاب الرئيس العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية أواخر تشرين الأول/ أكتوبر لعام2016, بعد شغور موقع الرئاسة اللبنانية لتسعة وعشرين شهرا, وأدت إلي اتفاق يقضي بتولي الرئيس الحريري رئاسة الحكومة اللبنانية طيلة عهد الرئيس عون علي أن يتولي الرئيس الحريري نفسه تسويق العماد رئيسا, وهو ما حصل, خاصة بعد توقيع اتفاق معراب بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية, الذي أفضي إلي سير الأخيرة بعون رئيسا للجمهورية. والواقع أن ما تغير منذ التسوية الرئاسية عام2016 إلي اليوم هو المشهد الإقليمي الذي يلقي بظلاله بقوة علي لبنان, بل وأبعد من لبنان: أولا: تبدل الأوضاع بسوريا بشكل جذري لمصلحة النظام السوري مع قبول القوي الكبري والإقليمية بهذا التبدل. ثانيا: قمة هلسنكي التي عقدت بين الرئيسين ترامب وبوتين والتي رسمت خطوط نفوذ كل من القوتين دون التوصل إلي صيغة نهائية لذاك النفوذ. ثالثا: إسقاط الاتفاق النووي مع إيران وبدء تنفيذ سلسلة من العقوبات الأمريكية تبلغ ذروتها في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. رابعا: زيادة النفوذ الروسي في المشرق العربي وتاليا زيادة دور روسيا في لبنان. خامسا: تعثر التوصل لأي تسوية سياسية للقضية الفلسطينية وتأزم الوضع مع قرار ترامب نقل سفارة بلاده إلي القدس. يضاف كل هذا إلي التبدل في المشهد اللبناني بتعزيز الحضور النيابي والسياسي للقوي المتحالفة مع سورياوإيران, ما أفضي إلي إرباك في عملية تأليف الحكومة وتعثر, يعزوه البعض لعقد داخلية والبعض الآخر لتدخلات خارجية تعيق عملية التأليف. ومهما كانت تلك العقد, ومهما طالت المهلة, لن تفضي إلا إلي تأليف حكومة تراعي نتائج الانتخابات الأخيرة ما يعني أن الفريق المقرب من إيرانوسوريا سيحوز علي أغلبية المقاعد الوزارية بالنسبة والتناسب, ما استدعي من رؤساء الحكومات السابقين الالتفاف حول مقام رئاسة الحكومة والتلاقي مع الرئيس المكلف, سعد الحريري, من أجل تثبيت صلاحيات رئيس الحكومة التي أقرت في الطائف, حيث خرج كلام من أكثر من فريق سياسي يطالب بتعديل هذا الاتفاق, أو بعقد مؤتمر تأسيسي يخلف اتفاق الطائف الذي لم تنفذ مندرجاته كلها منذ إقراره عشية وقف الحروب في لبنان عام.1989 ولعل الملفت في لقاء رؤساء الحكومات, هو حضور الرئيس نجيب ميقاتي, الذي تجاوز المعركة الانتخابية التي تواجه فيها مع تيار المستقبل برئاسة الرئيس الحريري, ليضع قوته الشعبية وحضوره السياسي الوطني إلي جانب الرئيس سعد الحريري في تشكيل الحكومة. في المجمل; المشهد السياسي في لبنان مفتوح علي احتمالين; إما تأليف حكومة في الأيام القليلة المقبلة, وهذا ما يحاول الرئيس المكلف القيام به من خلال سلسلة الاتصالات التي أجراها وسيتابعها قريبا جدا, وما تحاول أوساطه الإيحاء به من خلال طرح تقديمه تشكيلة حكومية خلال أيام, وإما أن أزمة التأليف قد تطول بما قد يفرض استدعاء لقوي إقليمية ودولية للتدخل من أجل تسهيل التأليف ما يربط تشكيل الحكومة بأزمات المنطقة من سوريا إلي إيران وصولا إلي العراق واليمن. وفي مطلق الأحوال, لبنان يحتاج لصدمة إيجابية, تنتشل واقعه الاقتصادي والسياسي من حال إلي حال أفضل, وبحاجة إلي حكومة تنكب علي معالجة المشاكل الحياتية للمواطنين, بعيدا عن الإغراق في تفاصيل الصراعات الدولية والإقليمية والتلطي خلفها, لتبرير عجز طبقة سياسية عن حماية لبنان ومواطنيه من الفساد والتلوث وغياب الخدمات الأساسية أو ضعف تلك الخدمات إلي حد غير مقبول.