عندما علمت أم سعد بن أبي وقاص بخبر إسلامه ثارت ثائرتها, وأقبلت عليه تقول: يا سعد ما هذا الدين الذي اعتنقته فصرفك عن دين أمك وأبيك؟ والله لتدعن دينك الجديد أو لا آكل ولا أشرب حتي أموت فيتفطر فؤادك حزنا علي ويأكلك الندم علي فعلتك التي فعلت وتعيرك الناس أبد الدهر فقال: لا تفعلي يا أماه فأنا لا أدع ديني لأي شيء. إلا أن أمه اجتنبت الطعام ومكثت أياما علي ذلك فهزل جسمها وخارت قواها. فلما رآها سعد قال لها: يا أماه إنني علي شديد حبي لك لأشد حبا لله ولرسوله ووالله لو كان لك ألف نفس فخرجت منك نفسا بعد نفس ما تركت ديني هذا بشيء. فلما رأت الجد أذعنت وأكلت وشربت. ونزل قوله تعالي: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا علي وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك علي أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون. وسعد بن أبي وقاص مالك القرشي الزهري أحد العشرة المبشرين بالجنة, ومن السابقين الأولين إلي الإسلام, فقيل ثالث من أسلم وقيل السابع, وهو أول من رمي بسهم في سبيل الله, وقال له النبي: ارم فداك أبي وأمي, وهو من أخوال النبي, وأحد الستة أصحاب الشوري الذين اختارهم عمر بن الخطاب ليختاروا الخليفة من بعده. وهاجر سعد إلي المدينةالمنورة, وشهد غزوة بدر وأحد وثبت فيها حين ولي الناس, وشهد غزوة الخندق وبايع في الحديبية وشهد خيبر وفتح مكة, وكانت معه يومئذ إحدي رايات المهاجرين الثلاث, وشهد المشاهد كلها مع النبي صلي الله عليه وسلم واستعمله عمر بن الخطاب علي الجيوش التي سيرها لقتال الفرس, فانتصر عليهم في معركة القادسية, وأرسل جيشا لقتال الفرس بجلولاء فهزموهم, وهو الذي فتح مدائن كسري بالعراق, وكان أول ولاة الكوفة, وتوفي في سنة55 ه بالعقيق ودفن بالمدينة, وكان آخر المهاجرين وفاة.