غير أن الأصوات المتحفظة علي إقامة الجامع الجديد تم تجاهلها ومصادرتها علنا باعتبارها قليلة الدين أو التدين وبني الجامع الجديد بالفعل واتضح أن القائمين عليه يتبعون مدرسة فكرية دينية مختلفة عن التي يتبعها القائمون علي الجامع الأول. أقطن في أحد أحياء القاهرة منذ أواخر السبعينيات وكان هذا الحي آنذاك حديث النشأة وكان التخطيط العمراني له قد أخذ في الاعتبار أن تكون هناك حديقة تتوسط البنايات علي أن تكون المسافة الفاصلة بين كل حديقة وأخري نحو500 متر تقريبا. وكان المنزل الذي أسكن به يقع أمام إحدي تلك الحدائق. وعلي بعد500 متر تقريبا من المنزل يقع جامع كبير مقام علي رقعة أرض فسيحة وملحق به حديقة صغيرة نسبيا. وفوجئ سكان المنطقة بمساعي بعض الأفراد لدي مجلس الحي لتحويل أرض الحديقة الكائنة أمام منزلنا هي الأخري إلي جامع. واعترض بعض السكان علي اساس ان هناك بالفعل جامعا قائما علي بعد أمتار يتسع للكثير من المصلين. فالهدف( من كلمة جامع هو تجميع أهل المنطقة وقت الصلاة وليس تشتيتهم بين عدة أماكن, خاصة إذا أخذنا في الاعتبار ايضا وجود عدد لا نهائي من الزوايا أسفل الكثير من عمارات كل مربع سكني. غير ان الاصوات المتحفظة علي إقامة الجامع الجديد تم تجاهلها ومصادرتها علنا باعتبارها قليلة الدين أو التدين وبني الجامع الجديد بالفعل واتضح أن القائمين عليه يتبعون مدرسة فكرية دينية مختلفة عن التي يتبعها القائمون علي الجامع الأول; وكانت ملامح فكرهم تتضح خاصة في خطب الجمعة التي طالما كانت ولاتزال تركز علي موضوعات بعينها دون غيرها: إما سفور المرأة أو عذاب القبر والآخرة أو الكفار. ويتم تناول هذه الموضوعات من منطلق السياق التاريخي والمجتمعي والمكاني للدولة الإسلامية في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام أو الصحابة دونما أدني إشارة إلي أي من الأحوال المجتمعية للمسلمين خلال الحقب التالية ودونما حتي الربط بالحاضر المعاش. وغالبا ما يتم الحديث عن هذه الموضوعات بنبرة غاضبة مليئة بالوعيد أو يميل الخطيب إلي التأثير( عاطفيا وليس عقليا) في مستمعيه بصوت باك منتحب كدليل مادي علي الورع أو الخشوع. وبرغم أن الجامع ليست به ساحة خارجية أي لابد وأن يكون المصلون بداخله إلا أن القائمين عليه يصرون دائما علي الاعتماد علي ميكروفونات خارجية قليلة الجودة, مثبتة باتجاه حوائط المباني المحيطة, فتكون النتيجة تردد الصوت بشكل غير واضح يستحيل معه غالبا تبين مضمون الخطبة. ولما اعترض بعض سكان المنطقة علي ذلك قوبلوا بالتهكم والاتهام بأنهم يريدون الحيلولة دون ايصال صوت الدين لأي فرد قاطن في المنطقة يحول مرضه أو أي ظرف آخر دون توجهه إلي الجامع للاستماع إلي خطبة الجمعة. ثم كانت القشة التي قصمت ظهر البعير. فبعد الاحداث الأخيرة في إمبابة, حرص الخطيب بعد صلاة الجمعة علي التعليق علي ما حدث. وأغرب ما في الأمر انه لم يخاطب المسلمين المجتمعين للصلاة في المسجد بل وجه كلامه أكرر بعد صلاة الجمعة إلي الأقباط ولن أخوض فيما قال حتي لا أكرر لغطا. لكني سأختصر بقولي إن مثل هذا الخطيب إما كان مغيبا عن مصر وأحداثها الأخيرة فلم يسمع أو بالاحري لم يع أبعاد مشاعر الفتنة المتأججة أو انه لم يسمع أو بالاحري لم يفهم الدور المسئول الذي طالب الجميع به أئمة المساجد وقساوسة الكنائس علي حد سواء, وأبسط أشكال هذه المسئولية هو الامتناع عن التحريض. أما مسألة تجديد أو مراجعة الخطاب الديني فلا أظن أنها مسألة وصلت إلي أسماع الرجل. فهل ونحن بصدد إصدار قانون خاص بدور العبادة سنتوقف فقط عند الشكليات( أي تصاريح المباني) أم سنشمل المضمون( الخطاب الديني عامة والقائمين عليه خاصة. وهل بمقدورنا أن نعيد التفكير مثلا في إمكان توحيد خطبة الجمعة. علي أن يتنافس أسبوعيا علي إلقائها واحد من العلماء الاجلاء في مجال العلوم الإسلامية( وهم كثر) يكون متبحرا وتكون له دراسات أي يكون مفكرا فلا يكون مجرد إمام للمصلين أو مرددا( بلا فهم عميق) لأفكار لا طاقة له باستيعابها؟ وهل يمكن أن يضطلع الأزهر بتنظيم هذه المسألة, أي بث خطبة جمعة موحدة تكون معدة إعدادا ممتازا وتكون ربما مادة للتعليق والتفكر والمناقشة بين المصلين أسبوعيا حتي ميعاد الخطبة التالية؟ إن خطبة الجمعة مسئولية وإعدادها إعدادا عميقا وسليما وإلقاؤها بشكل رصين ومتزن من شأنه البدء في رسم ملامح خطاب ديني جديد نحن في أمس الحاجة له الآن. استاذة مساعدة بجامعة كليفلاند ستيت الولاياتالمتحدة