تبقي قضايا التحرش الجنسي من بين أكثر الجرائم إثارة للاشمئزاز في العالم رغم اختلاف الثقافات, حتي في تلك المجتمعات التي تبيح ثقافتها إقامة علاقات جنسية من دون زواج, ترفض بشدة ظاهرة التحرش لما فيها من امتهان لكرامة المرأة. وخلال الأيام القليلة الماضية كشفت وسائل الإعلام عددا من حالات التحرش الغريبة التي ترقي إلي مستوي الفضائح المدوية, لأن المتهمين بارتكابها من نجوم المجتمع ممن يشار إليهم بالبنان, وكذا ضحاياهن ممن تعرضن للتحرش. وما بين سياسيين ووزراء ومخرجين ونجوم سينما وعلماء أكاديميين, تكتسب الجرائم بعدا آخر يزيد من حالة الدهشة التي تعقد الألسن, وتحول القضية من مجرد انفلات أخلاقي ومرض نفسي إلي سلوك شاذ يفقد مرتكبوه السيطرة علي غرائزهم. ولعل اعترافات وزيرة خارجية السويد مارجو والستروم أحد أهم ما نشر في هذا الصدد, حيث كشفت أنها تعرضت للتحرش من أعلي مستوي في السياسة علي حد قولها, الأمر الذي دفعها لإعلان انضمامها لحملة أنا أيضا علي وسائل التواصل الاجتماعي بغرض التنديد بهذه الظاهرة العار, هنا الضحية فضلا عن تمسكها بفضائل الأخلاق, وحرصها علي احترام نفسها, وهي وزيرة مهمة لا تعوزها السلطة والنفوذ لحماية نفسها من مثل هذه الممارسات المخزية, إلا أنها لم تسلم من متحرش له نفوذ ربما يفوق نفوذها, وإلا لكانت أعلنت اسمه أو أشارت إلي منصبه الكبير, وأكدت أن هذا الأمر يحدث علي أعلي المستويات السياسية وليس معها وحدها, وواقعة التحرش التي تعرضت لها الوزيرة السويدية وقعت خلال اجتماع لمسئولين أوروبيين! تصريحات والستروم صادمة, لأنها كشفت أن الأمر معتاد بين المسئولين الأوروبيين, وليس مجرد حادث شخصي. والحملة التي شاركت فيها الوزيرة السويدية دفعت بآلاف النساء إلي تسجيل شهادتهن وتجاربهن الشخصية التي تعرضن خلالها للتحرش والإساءات الجنسية علي الموقع المشار إليه, ما يعني أن الظاهرة متفشية كالوباء في مجتمعات لا تحرم مواطنيها من حرية الممارسات الجنسية. يأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه الشرطة البريطانية قبل أيام أنها تجري تحقيقات بشأن تورط المنتج السينمائي الأمريكي الشهير هارفي واينستين(65 عاما) في اعتداءات جنسية علي سيدات في حوادث منفصلة في لندن وويستمينستر وكامدن في أعوام2011,2010,1992,.2015 في الوقت نفسه تحقق شرطة نيويورك في مزاعم ضد واينستين الذي حازت أفلام قام بإنتاجها علي أكثر من300 ترشيح لجائزة الأوسكار وفازت ب81 منها, من بينها الاغتصاب والاعتداءات الجنسية, وجهتها أكثر من عشرين امرأة, من بينهن الممثلة أنجيلينا جولي وجوينيث بالترو وروز ماكجوان, تلك الاتهامات التي دفعت مجلس إدارة أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة التي تنظم جائزة الأوسكار إلي طرد المنتج الأمريكي الشهير من عضويتها, كما دفعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلي اتخاذ خطوات لسحب جوقة الشرف وهو أعلي وسام فرنسي وحصل واينستين عليه في2012 من المنتج الأمريكي. ولأن المصائب لا تأتي فرادي, فقد أعلنت النجمة السينمائية البريطانية ليزيت أنتوني أن واينستين حاول الاعتداء عليها في منزلها أواخر ثمانينيات القرن العشرين. وأمام سيل الاتهامات والبلاغات التي قدمت في المنتج الأمريكي تنتفي الحاجة إلي البحث عن أدلة تثبت ارتكابه كل هذه الاعتداءات, إذ ليس من مصلحة كل هؤلاء أن يتهمنه بما لم يفعل. وأمام الفضيحة الكبري التي كشفتها الصحف البريطانية بشأن عالم الفيزياء البريطاني ماثيو فالدر المنتسب لإحدي أرقي جامعات العالم كمبريدج وما ارتكبه من اعتداءات جنسية وابتزاز لعشرات الضحايا, تتضاءل كل الفضائح السابقة, حيث ارتكب137 جريمة انتهاك جنسي علي الإنترنت من بينها تشجيع اغتصاب أطفال وابتزاز عشرات الضحايا الصغار, ما دفع الصحف لوصفه بأكبر متحرش في انجلترا برصيد50 عملية ابتزاز جنسي اعترف بها جميعا أمام محكمة برمنجهام, وطريقته تتلخص في انتحال شخصية امرأة علي المواقع الالكترونية واستدراج عشرات الأشخاص إلي إرسال صور لأنفسهم, ثم التهديد بفضحهم في حال عدم الاستجابة لمطالبه, أما ضحاياه ففتيات وفتيان ورجال نساء أصيبوا بصدمات نفسية وبعضهم حاول الانتحار! العالم البريطاني الماثل للمحاكمة الآن والمتوقع تعرضه لعقوبة الحبس القاسي قال عنه مات سوتون, كبير ضباط التحقيق في وكالة الجريمة الوطنية: لم أقابل مطلقا علي مدي عملي خلال30 عاما مثل هذه الحالة البشعة, الهدف الوحيد فيها للجاني هو إحداث الألم والضيق للناس. وقال والده ماثيو فالدر: صدمني وصدم كل أفراد العائلة.. هذا الأمر قلب حياتنا رأسا علي عقب. أما آخر فضائح الأسبوع الماضي فاستقالة مدير قسم التلفزيون والسينما في شركة أمازون ستوديوز, روي برايس, الذي يواجه ادعاءات بالتحرش الجنسي شبيهة بتلك التي واجهها واينستين, وكان برايس قد منح إجازة مفتوحة الأسبوع الماضي بعدما اتهمته منتجة تلفزيونية بالتحرش بها وأنه أسمعها تعليقات بذيئة. اللافت في أمر كل الجناة أنهم نجوم في مجتمعاتهم, وبعضهم نجوم عالميين, وناجحين في أعمالهم, ولديهم ما يخسروه, وليسوا مضطرين لارتكاب هذه الجرائم الرخيصة.