ولأن الحرس الثوري الإيراني ليس مجرد ميليشيا مسلحة مدربة تدريبا عسكريا راقيا, ولا جيش نظامي يعتمد علي عناصر مجندة إلزاميا, ولكنه جيش محترف مدرب علي أعلي مستوي يتبني عقيدة دينية قبل العقيدة القتالية ومستعد للموت في سبيل الملالي, وهذا ما جعله أحد أهم أركان القوة العسكرية لنظام الحكم في الجمهورية الإسلامية التي أسسها الإمام الراحل آية الله خميني قائد الثورة الإيرانية, والضمانة الوحيدة لبقاء وتأمين نظام الملالي في حال مواجهته أي انقلاب داخلي محتمل سواء جاء بثورة شعبية أو بانقلاب عسكري يقوده الجيش. لهذه الاعتبارات جاء الرد الإيراني علي احتمالات تصنيفه كمنظمة إرهابية من جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية عاصفا وغاضبا ومدويا. التهديد صريح لا يحتمل اللبس أو التأويل, رد ساحق من دون تحديد طبيعة هذا الرد, ولا مكانه. ورغم أن المعتاد في الخلافات الدولية التي تكون فيها الولاياتالمتحدة طرفا أن تكون لغة التهديد صادرة من جانبها, إلا أن دولتين فقط في المجتمع الدولي أخذا زمام المبادرة وهددا واشنطن وبشكل علني علي هذا النحو الجاد هما كوريا الشماليةوإيران. وليست مصادفة أن تكون الدولتان قد استكملتا برنامجهما النووي ومنظومة الصواريخ الباليستية القادرة علي حمل رءوس نووية لتكتمل بها قدرتهما علي الردع والتخويف, واللجوء إلي لغة التهديد مع القوة الأكبر في العالم, ولذا ليس ثمة خيارات أمام صانع القرار في البيت الأبيض إلا أن يأخذ هذه التهديدات علي محمل الجد, حتي لو كانت الولاياتالمتحدة قادرة بالفعل علي إجهاض مثل هذه التهديدات بالقوة العسكرية, وحتي لو كان التهديد الإيراني من قبيل اللجوء إلي إطلاق تصريحات جوفاء في الهواء بغرض التهديد ليس إلا. وهذا لا يقلل بطبيعة الحال من وضع الحرس الثوري الإيراني الذي يلعب أدوارا مهمة وخطيرة جدا في تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة العربية وفي شئون دول جوار إيران, فضلا عن الدور المنوط به وفقا لرؤية مؤسسه للمهام الأساسية الموكلة إليه منذ تشكيله عام1979, علي يد الإمام الخميني, وهي حماية الطبيعة الإسلامية للبلاد, ومنع التدخل الأجنبي والتصدي للأزمات المختلفة في البلاد وجميع أعمال الشغب والأذي,وهو ما يعني باختصار أنه العمود الفقري الذي يستند إليه نظام الملالي ويعتمد عليه اعتمادا كليا وجزئيا بصرف النظر عن مهام الجيش, ويفسر خطورة الاقتراب منه ولو بتصنيفه منظمة إرهابية, رغم أن أنشطته التي يمارسها في كل من اليمن وسوريا والعراق ولبنان تؤكد طبيعته الإرهابية بالفعل, لتجاوزه المهام الأساسية من حماية الطبيعة الإسلامية للبلاد إلي تصدير الثورة والعمل علي زعزعة أمن واستقرار دول الجوار العربية. فالحرس الثوري يقترب قوامه من125 ألف مقاتل, ويتكون من أفرع رئيسية تماما مثل الجيوش النظامية( قوات برية وبحرية وفضائية جوية), إضافة إلي أنه يسيطر علي ميليشيات الباسيج شبه العسكرية وقوامها90 ألف موظف نشط, ويستند إلي قوات احتياطية يبلغ قوامها300 ألف جندي احتياط, وله قادة أفرع لقواته, أما قائده الأعلي فهو قائد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي, وقائده العام هو الفريق محمد علي جعفري, وله جهاز استخبارات خاص به, ولعب دورا مهما في دعم ميليشيات حزب الله في لبنان وميليشيات الحوثي في اليمن, ومع ذلك لم يكن مصنفا كمنظمة إرهابية, غير أن قرار تصنيفه كذلك لن يتأخر كثيرا, وسيأتي متزامنا مع سحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثقة من الاتفاق النووي الإيراني ما قد يؤدي لانهياره, الأمر الذي علقت عليه طهران بقولها: نأمل ألا ترتكب الولاياتالمتحدة هذا الخطأ الاستراتيجي كما جاء علي لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي الأسبوع الماضي, وقال أيضا: لو فعلت ذلك, فإن رد فعل إيران سيكون حازما وحاسما وساحقا, ويجب علي الولاياتالمتحدة أن تتحمل جميع عواقبه. أما قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري فجاءت تصريحاته أكثر تحديدا حيث قال: لو صحت الأنباء عن ارتكاب الحكومة الأمريكية حماقة فيما يتعلق بتصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية, فإن الحرس الثوري سوف يعتبر الجيش الأمريكي مثل تنظيم الدولة الإسلامية في جميع أنحاء العالم, وأضاف: إن فرض عقوبات إضافية سوف ينهي فرص إجراء حوار مستقبلي مع الولاياتالمتحدة, مشيرا إلي أنه سيتعين علي الأمريكيين نقل قواعدهم الإقليمية خارج مدي صواريخ الحرس الثوري الذي يصل إلي ألفي كيلو متر. ونفي قاسمي الاتهامات الأمريكية بأن إيران تعاونت مع كوريا الشمالية. وكان ترامب قد اتهم إيران بتمويل كوريا الشمالية والقيام بأشياء مع كوريا الشمالية غير مناسبة تماما.