لم يكن عماد يتخيل ولو لمجرد لحظة واحدة أن يده التي امتدت الي مصطفي بالعطف والإحسان, يمكن أن تنقلب عليه, لتذيقه الهموم والأحزان, فبدلا من أن يقدر صنيعه ويقر بجميله. سولت له نفسه الشريرة إلحاق أفظع وأبشع ألوان الأذي به, وبزوجته وطفلتهما ذات السنوات الثلاث, لقد انتهت علاقة العمل التي كانت تربط السفاح بضحيته, منذ أربعة أعوام تقريبا, بانتهاء عقد إيجار محل قطع غيار الموتوسيكلات, الذي كان مصطفي يستأجره من عماد, ومع ذلك تصور الأول, بعد أن بدد أموال المحل علي أهوائه ونزواته, أن عماد تسبب في قطع عيشه وغلق باب رزقه, وإزاء تمسك عماد باسترداد المحل, بيت مصطفي النية وعقد العزم علي الانتقام منه, ولتحقيق غرضه لشفاء غليله منه, أعد له كمينا إجراميا بالاشتراك مع أحد أقاربه, وقاما بإلقاء ماء النار علي وجهه ووجه زوجته وابنتهما البريئة لتتشوه معالم وجوههم وتتساقط فحومهم وجلودهم وشعر رؤوسهم وكأنه مقدر لهم أن يموتا موتا بطيئا, والسطور التالية تحكي تفاصيل المأساة. ألم عميق ممتد لا ينتهي بسهولة.. ومعان كثيرة إذا نظرت الي حجم إصابات وجروح هذه العائلة المكلومة وكمية الحروف الخطيرة التي محت ملامح كثيرة من هيئتهم.. وتقفز الي الذهن أفكار متضاربة.. كيف يلغي الإنسان عقله ويقرر ارتكاب هذا الجرم الشيطاني لإلحاق الأذي بأخيه. ومن بين الآهات والصرخات التقت الأهرام المسائي عماد إبراهيم محمد42 سنة صاحب محل قطع غيار دراجات نارية وخرجت الكلمات من فمه ثقيلة حيث قال: محلي كان مؤجرا منذ أربع سنوات ل مصطفي22 سنة عندما انتهت مدة العقود طالبته باسترداد المحل فماطل ومعه ابن عمه, وعندما الححت في طلبي قالوا إن المحل به بضاعة وقدرها تقديرات جزافية وبالرغم أن قيمتها تتجاوز عشرة آلاف جنيه إلا أنهما طلبا25 ألفا فدفعتها لهما وطلب مني مصطفي مساعدته في استخراج رخصة خاصة للقيادة ففعلت وعمل معي ابن عمه بحجة خبرته في تصريف البضاعة وبعد فترة لاحظت أنه يسرق البضاعة وأمسكته متلبسا وآثرت الستر وصرفته بهدوء. يلتقط أنفاسه ويرفع ذراعه المختفي وراء الشاش الطبي ويقول: ومرت الأيام وبعد4 سنوات جاءتني مكالمة تليفونية من شخص يدعي محمد مدير بشركة ماكدونالدز يريد إبرام عقد لتوريد قطع الغيار للدراجات النارية طرفهم وحدد لي موعدا بفرع المطعم بالميرغني ولكني انشغلت ولم أذهب اليه, فتكرر الاتصال وحدد لي ميعادا آخر علي فرع المطعم بميدان سفير يوم23 مايو الماضي فاصطحبت زوجتي وابنتي مي3 سنوات في سيارتي وذهبت نحو العاشرة ليلا, وقبل وصولي للمطعم جاءتني مكالمة أخري تفيد أنهم ينتظرونني عند محطة بنزين ميدان سفير. تختنق الحروف والكلمات علي لسانه ويستطرد: بالقرب من ميدان سفير وقفت الإشارة وفوجئت بدراجة نارية يركبها شخصان يرتدي كل منهما خوذة علي رأسه تخفي وجهه, ومرا من الناحية اليسري من السيارة ولم ألتفت لهما, فناداني أحدهما فالتفت إليه ففاجأني بإلقائي بجردل مليء بماء النار علي وجهي وجسدي ويستكمل متأثرا: ألجمتني المفاجأة وأحسست أني مت من شدة الألم ولكنه عاد وقذف مرة أخري ماء النار علي زوجتي وابنتي الصغيرة, ولم أعد أري شيئا علي الاطلاق واختلط علي الأمر وكنت أسمع صراخ زوجتي يخترق قلبي وبكاء ابنتي ولا أري شيئا. وتأتيني صرخات ونداءات الناس حولي واختفي صوتي من حلقي وكان كل همي الحفاظ علي زوجتي وابنتي وماء النار يذيب جلد ولجم وجهي ويعري صدري وفخذي وجنبي وقدمي بعد أن تآكلت ملابسي سريعا وبدأ يتساقط الجلد من جسدي وصوت زوجتي يصرخ إلحقونا إلحقونا.. زوجي يموت! وكنت أسمع صوتي يخرج دون وعي مني أنا لا أري فاردا ذراعي طالبا النجدة.. وسط رعب وذعر أصحاب السيارات الذين شلهم المشهد تماما. ويضيف عماد منفعلا, قام سائق ميكروباص أجرة اسمه عيد ستره الله, بخلع قميصه وستر به زوجتي بعدما أذابت مياه النار ملابسها وحرقت جسدها.. وساعده آخرون بنقلنا الي سيارته وأسرع بنا الي مستشفي مصر للطيران بألماظة فأسعفونا سريعا وأشاروا علينا بالذهاب لمستشفي الحلمية العسكري واستطعنا أن نتصل بشقيقي عادل ومحمد. وفي مستشفي الحلمية أكد لنا الأطباء الخطورة الشديدة للحالة وأوصونا بالذهاب لمستشفي به قسم رمد للحالات الحرجة, وظللنا نلف بالسيارة جميع المستشفيات المعروفة من11 ليلا حتي السادسة صباح اليوم التالي, وحجزوا زوجتي مع مي بأحد المستشفيات ولكن إصابتي كانت شديدة وعميقة فنبهنا الأطباء بالذهاب لمستشفي قصر العيني وبعد أن استقبلني الأطباء باهتمام وتأثر كبير وبدأ علاجي, جاءني طبيب كبير ونصحني بضرورة الذهاب الي مستشفي به رعاية مركزة خاصة بالحروق لخطورة حالتي وتأخرها وبعد بحثنا4 أيام جئنا الي هذا المستشفي. وأضاف قائلا: وعلمت أن رجال المباحث استطاعوا الوصول لرقم الموبايل الذي اتصل بي, وخرجت وحدة بحث جنائي من قسم مصر الجديدة بقيادة العميد محمد توفيق رئيس مباحث قطاع الشرق والمقدم محمد يوسف رئيس المباحث الذي كلف النقيب معاون المباحث هشام المستكاوي الذي زارني في قصر العيني وعند رؤيته لحجم الإصابات والحروق لي ولأسرتي تأثر جدا, وأنا من خلال الأهرام المسائي أشكره علي جهده وإصراره للوصول الي الجناة, ثم ذهب المستكاوي بعد ذلك للقرية الذكية مع إخوتي مرتين حتي تحقق من أرقام التليفون, وذهب الي شبرا الخيمة وجاء بأحد أقاربهم الذي أكد للمباحث أنه لا علاقة له بالموضوع وأنه فوجئ ببقايا مياه النار علي الدراجة, فاصطحبته وحدة البحث الجنائي للمرج, وفوجئ أخوتي وهم في قسم مصر الجديدة بنزول مصطفي وابن عمه محمود حسن طالب17 سنة, من سيارة الشرطة وعندما أبلغوني صعقت من المفاجأة, ودار بخلدي كيف أحسنت إليهما وأعطيتهما مالا لبضاعتهما فوق قيمتها وساعدت مصطفي ليعمل سائقا ومواقف كثيرة أخري لم أتأخر فيها عن الإحسان لهما. ويصمت برهة يسترد خلالها أنفاسه ويستكمل قائلا أبلغني أخي باعترافهما بفعلتهما في التحقيقات وأمرت النيابة بحبسهما4 أيام وجددت لهما15 يوما, ونحن في انتظار تطبيق العدالة عليهما وعلي كل بلطجي ومجرم ممن تسول له نفسه التهجم وبث الرعب في نفوس الآمنين ومنذ الحادث حتي الآن لا أقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل بعد أن سمعت أن حالتي تستلزم العلاج بالخارج ولا أدري ماذا أفعل. وتلتقط زوجته طرف الحديث قائلة, زوجي أصابته نحو50% حروق من جسده بالكامل وحالتي يعلمها الله أما ابنتي... ويقطع بكاءها الكلام.. ثم تقول الحمد لله, فوجئنا أثناء ذهابنا في الموعد المزعوم بدراجة نارية تسير خلفنا عليها شخصان يتخفيان خلف خوذتيهما وجاءا من نافذة السيارة اليسري وقال أحدهما بس فالتفت زوجي لنفاجأ بهما يقذفان في وجهه بجردل مليء بمياه النار مرة عليه ومرة علي وابنتي ذات الثلاث سنوات ونظرت الي, وجه زوجي فأصبت بالرعب عندما وجد كله أبيض وعينه بيضاء جدا بشكل غريب وظللت أصرخ عندما لاحظت أن ملابسي تذوب وتقع علي الأرض, فهرول إلي سائق ميكروباص ونزع قميصه وقذفه الي وخطف ابنتي من يدي وجري بها الي محطة البنزين وغمر جسدها بالمياه واحترت أجري خلف أبنتي أم أقف الي جوار زوجي الذي يصيح أنه لا يري أمامه ولحمه يسيح وأصبح صدره عاريا. وتسترد أنفاسها وتقول بصوت خفيض, لاحظت عيني من قذفنا بمياه النار وكانت مليئة بالغل والحقد بشكل غريب, بالرغم من أن أحد اللذين فعلا ذلك ساعده زوجي في العمل واستخرج له رخصة قيادة وأخذ منه نقودا أكثر من القيمة الفعلية لبضاعتهما وأنا أطالب بإعدامهما وإلا يصب علي جسديهما مياه النار ويذوقوا ما ذقناه بعد أن شاهدا ابنتي تبكي وقذفاها بمياه النار وجاءا من الناحية المقابلة في الاتجاه المعاكس ليتأكدا إن كنا متنا أم لا, ولكن صاحب الميكروباص أنقذنا وذهب بنا لمستشفي مصر للطيران وتخنق الدموع كلماتها وهي تقول نحن راضون بقضاء الله ولكن نريد أن يكون هؤلاء عبرة لكل مجرم وبلطجي, لأنهما لو يعلمان أن القانون سيردعهما ما تجرأ أحد منهما علي الأبرياء, وأتمني من الأهرام المسائي أن يكون النافذة لرصد البلطجة الجديدة علينا في الشارع المصري.