الطريق إلي مرضاة الله هي غاية ما ينشده العبد في هذه الحياة والطريق إلي الله هو الطريق المستقيم وطريق الحق, وإذا أراد العبد أن يعرف طريق الله فعليه أن يعرف الله, ومعرفة الله عز وجل تكون بالنظر في خلقه وفي كونه المنظور , وفي كتابه المسطور القرآن الكريم ولكن لكل طريق لابد من زاد وركوبة ومخطط يعين صاحبه حتي يصل في النهاية ويتمثل الزاد في هذا الطريق في القرآن والسنة المطهرة وتكون الركوبة التي تحمله في الطريق إلي الله هي التواضع والخضوع ويكون الصبر أفضل خطة لأن المؤمن بين أمرين ابتلاء يصبر عليه فيكون خيرا له أو نعمة يشكر الله عليها فيكون خيرا له ولأن الصابرين يوفون أجرهم بغير حساب. حول بيان معالم هذا الطريق وكيفية السير فيه والفوز في النهاية بمرضاة الله. في البداية يوضح الشيخ محمد أبو بكر جاد الرب- من علماء وزارة الأوقاف- أن المرء ينبغي عليه أن يدرك أن القرآن الكريم اهتم بقضية تنظيم العلاقة بين الفرد وخالقه, وذلك من خلال أسس ثابتة عبر عنها النهج الإلهي بأنها طريق للوصول إلي مرضاة الرب والتقرب إليه, وهذا لا يمكن أن يحدث إلا من خلال اتباع الطريق الإلهي الذي أمر به الملك سبحانه وتعالي ويتمثل في الصلةبالله وبالناس فوضع منهجا قويما صحيحا من أجل أن يستقيم الطريق إلي الله تعالي لكل فرد فوضع أركان الإسلام والعبادات ونبه الإنسان بأن الطريق إلي الله لا يمكن أن يكون منفصلا عن الطريق مع الناس ولذا أوصي بضبط اللسان وغض البصر وسائر العبادات التعاملية, ولذلك أخرج الديمليي أن النبي صلي الله عليه وسلم قال ليس كل مصل يصلي وإنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي ولم يصر علي معصيتي وأطعم الجائع وكسا العريان ورحم المصاب وآوي الغريب كل ذلك لي ولو نظرنا إلي الصلاة علي سبيل المثال لوجدناها تحتاج إلي استقامة وخشوع وإخلاص واتقان وحب وخشية وهذه كلها أمور لا يمكن أن تتأتي للعبد إلا من خلال التعامل مع الناس والله سبحانه وتعالي وضع نظرية عجيبة في القرآن الكريم إذ أنه قدم التعامل مع الناس علي التعامل معه هو وجعله بابا للتعامل مع الله في سورة البقرة حيث قال وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبوالدين إحسانا وذي القربي واليتامي والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون فقدم سبحانه وتعالي التعامل مع الناس والقول الحسن علي العبادة التي هي من فرضه الله سبحانه وتعالي وقال تعالي في سورة الماعون أرأيت الذي يكذب بالدين, فذلك الذي يدع اليتيم, ولا يحض علي طعام المسكين, فويل للمصلين, الذين هم عن صلاتهم ساهون,, الذين هم يراءون, ويمنعون الماعون فجعل إكرام اليتيم والإحسان إلي المسكين مقدما علي ركن الدين وهي الصلاة فلو أن الانسان ألزم نفسه في التعامل مع الله تعالي من خلال التعامل الحسن مع الناس لاستطاع أن يسلك أول الطريق إلي الله سبحانه وتعالي وينبغي علي المرء أن يضع في حسبانه أن الطريق إلي الله ليس خطوة واحدة وإنما خطوات كل منها يرقي إلي الأخري, ولذلك يقول تعالي يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته وهذه أعلي الدرجات ثم يأتي في درجة أقل منها في قوله تعالي فاتقوا الله ما استطعتم ثم يأتي لدرجة أقل منها في قوله تعالي ومن يتق الله يجعل له مخرجا ثم يأتي في درجة أقل في قوله تعالي ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ثم بعد ذلك يضع اللبنة الأولي لهذا الطريق من خلال قوله تعالي لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وهنا يمكن لمن أراد السلوك لطريق الله التأكيد علي ثلاثة أمور أولها أن الاستقامة, وهي وصية الله لنبيه فاستقم كما أمرت الثاني العمل الصالح لأنه مبتغي من يريد لقاء ربه لقوله تعالي فمن كان يرجو لقاء الله فليعمل عملا صالحا والثالث الاتصال بالله, وهذه لابد لها من معرفة حقيقية بالله لأن الله تعالي قال فاعلم أنه لا إله إلا هو ثم بعد ذلك تنساب خطوات الطريق فتصبح ميسورة سهلة علي العبد فيؤدي العبادات طاعة وطواعيه وينتقل من مرحلة التكليف إلي مرحلة الحب والتشريف ويتنقل من ترك المعصية امتثالا للأمر إلي تركها تقربا ممن يحب حيث فرق العلماء بين المقلد وبين المؤمن علي حب. ويقول الشيخ محمد عيد- إمام مسجد السيدة عائشة- إن الطريق إلي الله يبدأ بالتخلي عن الذنوب والمعاصي قبل التحلي بالطاعات لقول ابن عطاء الله السكندري عن علامة الاعتماد علي العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل إذا ارتكب الانسان ذنبا سواء كان صغيرا أم كبيرا فلا يكن ذنبه أعظم من ستر الله وعفوه ولولا رداء الله الستر لانحنت أعناقنا من شدة الخجل فلا تعيب إنسانا بفعله المعيوب فتبتلي في نفسك فتصبح في أمرك مغلوبا ثم يأتي التحلي بالطاعات وتخير الأوقات المباركة والأماكن المباركة حتي تكون النفس في استعداد لتلقي أنوار الهداية والسير نحو خالقها في طريق الرحمن وتبعد عن طريق الشيطان فالطريق إلي الله هو طريق الهداية والنور والصلاح والاستقامة الذي يبدأ من أجله بعث الله الرسل والأنبياء, ولنا في رسول الله أسوة حسنة فخاطبه فاستقم كما أمرت ومن تاب معك فطريق الله واضح وهو الذي ذكره الله في فاتحة الكتاب فيما يطلب الانسان من خالقه أن يهديه الصراط المستقيم. وزاد هذا الطريق الذي يوصل العبد بخالقه وهو الصلاة لذا فقد ذكر القرآن الكريم قد أفلح المؤمنون فذكر أول صفة من صفات المؤمن الذين فازوا بالفلاح والصلاح أنهم الذين في صلاتهم خاشعون, والصلاة ليست أركانا تؤدي بالجوارح ولكنها أركان بالجوارح وخشوع بالقلب لذا قال العارف بالله دكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق إذا سجد القلب فلا يرفع بمعني أنه إذا سجد سجدة خاشعة ظل علي خشوعه مع الله لأنه المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله. ومن وسائل اطمئنان القلب والوصول لخالقه ذكر الله عز وجل لقوله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ومن أجل الأسماء التي يذكر بها الله الذكر بلفظ الجلالة الله فكيف لا حيث إذا حذفت منه الألف صار لله وإذا حذفت اللام صار له وإذا حذفت اللام الآخرة صار هو ومن كان ذاكرا لله كان الله معه فلا شيء ضده ومن فقد الله فقد كل شيء, وورد عن السيدة نفيسة رضي الله عنها أنها قالت لخادمتها زينب بنت سيدنا يحيي المتوج بالأنوار, وكانت عمتها عندما سألتها عن سر وجود طعام الصيف في وقت الشتاء, وكذلك طعام الشتاء في الصيف في سلتها؟ قالت لها يا زينب إن العبد إذا أطاع الله أطاع الله له كل شيء. ويؤكد الدكتور صابر مشالي عميد كلية دار العلوم بجامعة الفيوم أن أول ما يجب أن يحرص عليه المسلم في طريقه إلي مرضاة الله التقوي لقوله تعالي يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم كما تحدث سبحانه عن الجدال بغير علم وهو الجدال الفارغ العقيم غير المؤسس علي علم بالرغبة في الهوي اتباع شياطين الانس الذين تجردوا من كل خير وتفرغوا فقط لكل شر قال تعالي ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد فشيطان الأنس مريد متجرد عن كل نفع وخير ومختص فقط بالشر فهو شرير وأهل الشر من الانس, الآن هم الذين يفسدون في الأرض بالإضرار بالناس في أنفسهم وأموالهم ولقد جعل الله تعالي العاقبة في قوله كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلي عذاب السعير لأن الله سبحانه حين منحنا العقل أوجب علينا ألا ننخدع لشياطين الانس الذين يفسدون في الأرض عن جهل وعدم علم, ولذلك قال تعالي في السورة نفسها بعدة آيات معاودا الحديث عن الجدال الفارغ العقيم الذي لا فائدة منه ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدي ولا كتاب منير فهذا أول ما يجب التخلص منه في طريق مرضاة الله.