في وطني الحبيب, أصبحت بعض المصطلحات خاوية من مضمونها, واتخذت دلالات مختلفة توحي أحيانا بعكس المعني المقصود من الكلمات ذاتها, لدرجة أحدثت خللا في التفكير الجمعي الذي اعتاد جزء منه علي دلالات الكلمات المكتسبة لدرجة جعلته ينسي المعاني الحقيقية للكلمات بل ويتعجب عندما نستخدمها في مكانها الصحيح, وانسحب الأمر علي بعض المسميات الوظيفية التي أصبح تواجدها مسألة شكلية في بعض المؤسسات, ومن هذه المسميات مصطلح خدمة العملاء وهي إدارة متخصصة الهدف منها تسهيل الأمر علي العميل الذي يلجأ لهذه المؤسسة سواء بتوضيح الأمور والإدارات الخاصة بالمؤسسة أو بتوضيح حقوق وواجبات العميل وتسهيل الأمور في حالة مواجهته لأي مشكلة في تعامله مع المؤسسة والرد علي استفساراته وتحويله للإدارات المعنية بالإجابة علي سؤاله داخل المؤسسة. وفي كل دول العالم توجد هذه الإدارات لتكون في عون العميل ويتم اختيار أفرادها بمواصفات خاصة أهمها قدرته علي استيعاب غضب العميل والتعامل معه وتقديم معلومة واضحة له, ويتم إعداد موظفي خدمة العملاء في المؤسسات بشكل جيد ليتعرفوا بالأساس علي الإدارات والتخصصات المختلفة داخل المؤسسة حتي يتمكنوا من مساعدة العميل, وترتبط هذه الإدارة بكافة الإدارات الأخري لتصبح قادرة علي تقديم خدمة حقيقية للعميل. هذا باختصار هو مفهوم خدمة العملاء كما ينبغي له أن يكون, إلا أن الوضع في معظم المؤسسات المصرية سواء كانت حكومية أو خاصة يختلف بطبيعة الحال عن المفهوم العالمي الشائع, وبالتجربة أصبح لدي شبه يقين بأن موظفي خدمة العملاء في مصر يتم اختيارهم علي أسس أخري أهمها البرود والسفسطة والتبرير, لتنتهي إجابة كل موظف بجملة شهيرة لخصها العقل الجمعي المصري في أقفل الراوتر وافتحه. لتليها جملة أخري مثل السيستم واقع. ليواجه في النهاية الجملة الأشهر حضرتك تقدر تتوجه لأقرب فرع, وهناك هايحلوا لك المشكلة. ليخرج المواطن العميل من المكالمة عادة بدون حل مشكلته ولا معلومة محددة توضح له السبب في المشكلة التي تواجهه رغم أنها قد تكون في غاية البساطة, فيشعر أحيانا العميل بأنه يتحدث إلي إنسان آلي لا يفقه ما يقال ولا فائدة منه إلا مساهمته الفعالة في رفع ضغط العميل وإصابته بالإحباط المصحوب بكم غير محدود من اللعنات والشتائم اللائقة وغير اللائقة للمؤسسة وموظفيها ونظامها العقيم. ليصبح مصطلح خدمة العملاء خاليا بالفعل من مضمونه ويتخذ مفهوما آخر يدل علي خدعة العملاء وإحباطهم وضياع حقوقهم وزيادة المعاناة التي يعانيها المواطن من الخدمة السيئة التي تقدمها المؤسسة.الأمر الذي يعكس حالة من حالات الاستهانة الحقيقية بالمواطن الذي أصبح يجد نفسه وحيدا في مواجهة هذه المؤسسات التي لا تخضع لرقابة ولا تراعي ذمة ولا ضمير ولا تجد جهازا رقابيا حقيقيا يراقب عملها ويحاسبها علي الأخطاء والخطايا التي ترتكبها في حق المواطن. خاصة أن معظم الأرقام الساخنة لهذه المؤسسات مدفوعة من قبل المواطن الذي يجد نفسه مطالبا بدفع ثمن السيستم الواقع وبطء الموظف الذي يستغرق وقتا طويلا في فحص البيانات ووضع العميل علي الانتظار حتي ينتهي من كوب الشاي الذي يشربه, أو الانتهاء من المكالمة التي يستقبلها علي خط آخر. لم يعد الأمر مجرد شكوي فردية بقدر ما أصبح ظاهرة وحالة عامة يشعر بها المواطنون في تعاملهم مع أي مؤسسة, مما يكلفهم الكثير من الوقت والمال إضافة إلي حرقة الدم نتيجة المكالمة العقيمة التي يخرج منها خالي الوفاض ويصبح مطالبا بالنزول إلي أقرب فرع لحل مشكلته, وهنا تبدأ رحلة معاناة أخري مكلفة ماديا ومعنويا وصحيا. فهل من رقيب علي هذه المؤسسات وما تقدمه من خدمات, وهل من ضمير يمكن أن ينبت في وجدان القائمين علي هذه المؤسسات رحمة بالعملاء؟