لسنوات عديدة ظل أسامة بن لادن هدفا ثمينا للولايات المتحدة خاصة منذ إعلان مسئولية تنظيم القاعدة الذي يرأسه عن مسئوليته عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وهو الهدف الذي خاضت من أجله الولاياتالمتحدة حربا ضروسا ضد الإرهاب. بدأتها بالحرب في أفغانستان ثم احتلال العراق وفيها داست الولاياتالمتحدة علي الكثير من القيم الديمقراطية التي تتبناها وتدعو إلي تحقيقها في دول العالم فاعترفت بنتائج الديمقراطية في دول وقاومتها في دول أخري انتهكت حقوق الإنسان وأصبح لديها واحد من أشهر المعتقلات هو معتقل جوانتانامو بل إن المشابهة اللفظية بين كلمة أوباما وأسامة كانت أحد الأسلحة التي استخدمها الجمهوريون لتشويه صورة أوباما إبان حملته الانتخابية للرئاسة في نهاية عام2008 وها هي نفس المشابهة يصيغ بها الأمريكيون واحدا من أهم شعارات احتفالهم بمقتل أسامة بن لادن وهو الشعار الذي يقول: أوباما أمسك أسامة وها هو أوباما نفسه الذي قيل عنه ما قيل بشأن أصوله الإفريقية والإسلامية هو نفسه بطل مشهد القبض علي زعيم القاعدة المسلم وهي البطولة التي حرم منها كل من بيل كلينتون وجورج بوش الابن, وهي البطولة التي ستعدل كثيرا من موقف أوباما الداخلي سواء في مواجهة الجمهوريين بعد النجاحات التي حققوها في انتخابات الكونجرس الأخيرة أو فيما يتعلق بشعبيته لدي الرأي العام الأمريكي بل إن البعض يتوقع أنها ستلعب دورا في تعديل ما لسياسة أوباما الخارجية خاصة فيما يتصل بعملية السلام في الشرق الأوسط. وعلي الرغم من المكاسب الآنية التي يجنيها أوباما جراء قتل بن لادن فإن المخاوف بشأن تصرفات تنظيم القاعدة في إطار رده علي مقتل زعيمه ستحرم أوباما ومعسكر الحرب علي الإرهاب من الاستمتاع بتلك المكاسب إذ إن ثمة إدراك واضح منذ اللحظة الأولي أن مقتل بن لادن يمثل بلا شك خطوة مهمة في الحرب علي تنظيم القاعدة إلا أنه لا يعني بأي حال من الأحوال القضاء علي القاعدة أو علي الأقل تحجيم قدرتها علي الفعل الإرهابي. فها هو رئيس جهاز المخابرات المركزية الأمريكية سي.أي.أيه ليون بانيتا يحذر من أن القاعدة ستنتقم لمقتل زعيمها, وأنه إذا كان بن لادن قد مات فإن تنظيم القاعدة موجود وهكذا فإن الرعب أو علي الأقل الخوف الذي ستعيشه الولاياتالمتحدة ومعها معظم دول العالم من الرد المحتمل للتنظيم سيظل مؤرقا لهم وربما يمثل في حد ذاته خير انتقام لمقتل بن لادن بالشكل الذي تم به, فكلما تأخر رد التنظيم سيزيد قلق تلك الدول, ويبقيها دائما في حالة استعداد وتأهب بكل ما يعنيه ذلك من تكلفة مادية ونفسية. وقد يكون من المفيد هنا استحضار موقف حركة حماس بعد قيام إسرائيل باغتيال كل من الشيخ أحمد ياسين وبعده مباشرة اغتيال الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي فالحاصل أن إسرائيل لم تنجح في النيل من حركة حماس بعد هذين الاغتيالين بل واصلت حماس تدعيم موقفها في الساحة الفلسطينية حتي وصلت إلي ما وصلت إليه وقد حدث هذه الفشل مع حركة محصورة جغرافيا بالأراضي الفلسطينية ولاحقا بقطاع غزة بينما تحارب الولاياتالمتحدة تنظيما لا يعرف له حدود جغرافية فأفكاره أوسع انتشارا من أن يتم محاصرتها وفي كل الأحوال فإن الحقيقة التي يجب التعامل معها هي أن مثل تلك الحركات لا تموت بموت قائدها بل ربما يدفع موت هؤلاء القادة بقيادات جديدة قد تكون أكثر تطرفا لكنها في كل الأحوال تكون أكثر نشاطا وسعيا للحصول علي الشرعية وتأكيد جدارتهما في خلافة القيادة الراحلة وهو الأمر الذي يملي عليهم الكثير من التصرفات المتطرفة كما أن اغتيال العديد من القادة الاقليميين لتنظيم القاعدة خلال العامين الماضيين لم ينل كثيرا في قدرة التنظيم علي الفعل. وهكذا تصبح القيادة الجديدة هدفا يحل محل القيادة الراحلة فالولاياتالمتحدة كما صرح رئيس مخابراتها ستعتبر زعيم القاعدة الجديد المطلوب الأول لديها وبذلك تستبدل بن لادن علي الأرجح بأيمن الظواهري لتستمر المعركة وكأنها مع رأس التنظيم فهل تمضي الولاياتالمتحدة عشر سنوات أخري للقبض أو لاغتيال الظواهري بينما فكر القاعدة ينتشر في ربوع العالم ويتغذي علي أخطاء السياسة الأمريكية تجاه الدول الإسلامية؟! وعلي صعيد آخر, فمما لا شك فيه أن مقتل بن لادن سيزيد من مستوي الكره الموجه تجاه الولاياتالمتحدة علي الأقل من قبل من ينتمون للتنظيم فكريا وممن كانوا يرون في بن لادن بطلا كونه يحارب أمريكا, وبينما كان الممكن للولايات المتحدة التعامل مع هذا الموقف أو احتمال كلفته فإن التزايد الواضح لمستوي الغضب تجاه الولاياتالمتحدة المتوقع في ظل الثورات المشتعلة في الدول العربية وتغير المزاج العربي ربما يمثل حاضنة لتفعيل غضب تنظيم القاعدة أو علي الأقل التسامح مع ما ستقوم به القاعدة ضد الولاياتالمتحدة ودول غربية تسير في ركب الولاياتالمتحدة. علاوة علي ما سبق, فمن المؤكد أن الانتصار الأمريكي الحالي سيفجر غضب تنظيم القاعدة, وخطورة هذا الغضب الآن هي أنه غضب لا يمكن توقع المدي الذي يمكن أن يصل إليه وتأثيره وردود الفعل التي سيستدعيها من قبل من ستوجه إليهم عمليات التنظيم. فحين هاجم التنظيم الولاياتالمتحدة فجر غضبها تجاه التنظيم وتجاه العالم بما كان من شأنه إحداث تغييرات هائلة علي مجمل العلاقات الدولية وعلي علاقة الولاياتالمتحدة بالعالم العربي والإسلامي وبالتالي فمن المرجح أن يفتتح مقتل بن لادن موجة جديدة من المواجهة لن تكون آلياتها ونطاقها علي ما كان عليه خلال السنوات العشر الماضية, فالقائد القادم للتنظيم لن يكون بن لادن وربما يكون أكثر استجابة لضغوط عناصر وخلايا التنظيم كونه لا يتمتع بكاريزما بن لادن. وهو الأمر الذي يكاد يفرغ الانتصار الأمريكي بقتل بن لادن من أهميته, ويجعل منه انتصارا بطعم الخوف والقلق بأكثر مما هو انتصار يريح المنتصر. إنه بالفعل انتصار بطعم الهزيمة معنويا أو انتصار زائف كونه انتصارا في جولة من معركة لا يعرف أحد عدد جولاتها مدة انتهائها. والخلاصة أن مقتل بن لادن لا يمكن اعتباره ضربة قاضية لتنظيم القاعدة, وربما يكون من نوع الضربات التي إن لم تقتل فإنها تقوي. وساعتها ربما تدرك الولاياتالمتحدة أنها فتحت بابا للنار قد يحرق كثيرين وفي مقدمتهم بطل المشهد الحالي, باراك أوباما, المقبل علي انتخابات الفترة الثانية للرئاسة الأمريكية.