من يبيعيني فكرا جميلا بقنطار من الذهب؟ من يأخذ قبضة من جواهر لبرهة من حب؟! من يعطيني عينا تري الجمال ويأخذ خزائني؟! ماهي إلا كلمات آسرة حركت قلبا رقيقا اخترقته وشغفته حتي افاضت من وحي روحه بمعان لاينطقها شعور مهما يكن شعور الحب القابع بهالاته وجلاله الأبدي الطاغي المستحوذ علي نفس تتوق وتأنس بروعة المشاعر وسمو العاطفة ورقي الحس ودقة الإلهام وفوضي الانفعال الروحي!! إنه الحب أو السباحة الخالدة للنفس خارج ملعب الوجود.. إنه قدس الأقداس الذي تحوم حوله القلوب كالحمائم وتطوف به الخواطر كالنسائم. إنه ذلك المعني الخاص الذي يحاول كل منا أن يجعله داخل أعماقه ليردد في النهاية حقيقة مؤكدة أنا أحب إذن أنا موجود!! أو يردد أنا من أهوي ومن أهوي أنا كما رددها كثيرون علي مدي التاريخ العاطفي للإنسان أينما كان والذي مثل في ذاته أسطورة كبري في إحياء معان واستنهاض قيم توحدت حولها القلوب وباتت تمسك بلغة واحدة تدنو بها نحو السعادة في أعمق معانيها ونحو ينابيع القوة الذاتية الدافعة نحو إحساسات القدرة والسطوة علي هذا العالم.. تلك القدرة التي أنطقت لسان فيلسوف اليونان أفلاطون حين قال: ولعله لم يخطيء أعطني جيشا من العشاق وأنا أغزو العالم!! ولعل نابليون من آلاف السنين تمثل هذا المعني وكان بحق هو جيش العشاق وكتيبة الحب والغرام فاستطاع أن يمثل نموذجا متفردا في الغزوات والحروب والصراعات فكان بطلا تاريخيا نادرا لكنه أخفق في أن يسجل أروع بطولاته الروحية والنفسية في عالم العواطف والمشاعر مع رفيقته جوزفين التي أعطت مثلا صارخا في الخيانة العاطفية بل العائلية لقلب طالما أوفي لها لكنها أطاحت بأحلامه وهدمت معبده واحتلت عقله الذي استعمر نصف الدنيا!! وجوزفين هذه قد رآها البعض ملاكا مقدسا ورآها آخرون وصوروها كما لو كانت شيطانا رجيما!! كانت رائعة الحسن, فاتنة الجمال, ساحرة اللحظ بعينيها الزرقاوين وأنفها الشامخ وشعرها الغزير المنساب بل داهية في قدرتها علي البكاء في أي وقت تشاء!! ذلك عندما يصبح البكاء هو الوسيلة الأكيدة نحو تحقيق شيء ما, وبالتالي كان نابليون يردد دائما علي مسامع جنوده بل علي مسامع التاريخ أنني أكسب الوقائع أما جوزفين فإنها تكسب القلوب!! بل بلغ به الأمر وبلغت منه الصبابة والشوق كل مبلغ حتي أنه قال وهو نابليون أما أنا فإني عبد ومولاي لايعرف الرحمة!! وكأنه كان يلتقي بمعناه هذا مع نفس الحالة المعنوية التي عبر عنها الشاعر العربي في مقولته الشعرية الشهيرة لا يعرف الشوق إلا الذي يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها. فماذا كان من جوزفين؟ وكيف بدأت حياتها؟ وكيف أحبها نابليون؟ وكيف هامت بغيره؟! وكيف تحقق بهذه العلاقة نفس المعني الذي عاشه إمام العاشقين( مجنون ليلي) حين قال: جننا بليلي وجنت بغيرنا وأخري مجنونة بنا لا نريدها!! أقول إن جوزفين هي تلك الطفلة الشرسة التي تنبأت لها عرافة زنجية بأنها ستصير ملكة ولكنها لن تموت كذلك وبالفعل عبرت الأيام بجوزفين حتي بلغت السادسة عشرة من عمرها حين تزوجت من الماركيز بورمانيه الذي أنجبت منه طفلين لم يكونا سببا إيجابيا في توطيد العلاقة بينهما فافترقا, لكن حين ضاقت بها السبل للإنفاق علي طفليها عادت إليه فوجدته قد دخل لعبة السياسة وأصبح زعيما للثورة فاستطاعت بدهائها المعروف وحيلها الشيطانية أن تكسب ثقته ومودته غير أنه قد فشل هذه المرة في قيادة الجيوش الفرنسية فكان نصيبه قطع رقبته, أما جوزفين فقد أخلي سبيلها طبقا للصدفة التي نادرا ما تتكرر لكنها قالت لنفسها ماذا أنت فاعلة؟؟