قال رسول الله صلي الله عليه وسلم في الحديث الشهير: إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فانبري رجل من الحاضرين يلح عليه ثلاث مرات بسؤال يضر به نفسه ويضر به الأمة الإسلامية كلها. فيقول: أفي كل عام يا رسول الله فليمتنع النبي صلي الله عليه وسلم إجابته وهو يكرر السؤال مرة أخري وكأنه يستنكره رسول الله صلي الله عليه وسلم علي أمر أو إجابة لا يريدها ضجر منه رسول الله صلي الله عليه وسلم رد قائلا: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم. وهذا السائل يمثل فريقا من المسلمين في كل عصر يريد أن يشدد علي نفسه وعلي الناس.. وقد يسعد بهذا التشديد, ويظن أنه يعني القوة في الدين وصلابة التمسك بالشريعة.. وقد يرفض التيسير علي نفسه أو جماعته أو أمته أو حتي الأجيال القادمة. ولكن الرسول الرحيم بأمته والذي يدرك ضعف قدرات الناس وقلة إمكانياتهم ويعلم أن أمته سوف تبلغ آفاق الدنيا كلها, فبعضها سيأتي من الصين شرقا أو أمريكا غربا وجنوب أفريقيا جنوبا والولايات الإسلامية في روسيا شمالا, ويشق علي هؤلاء الحج مرة واحدة, فكيف لو كان كل عام وكيف سيجتمع المسلمون جميعا في هذا المكان الضيق في كل عام. وهكذا ينبغي أن يكون نظر القائد الحصيف الحكيم, فهو يقرأ الماضي قراءة صحيحة ويقرأ الواقع والحاضر قراءة صحيحة, ويستشرف المستقبل استشرافا دقيقا. والقائد الذي لا يحسن هذه الثلاثة لا يصلح قائدا ولو تأملنا تكرار السائل للنبي وإلحاحه عليه في المسألة لوجدناه نموذجا يتكرر دائما حتي في الدول العربية, وكذلك في الحركة الإسلامية المعاصرة لما يمكن أن تسميه الاستكراه الأدبي للقادة. وهذا ما حدث مع الرسول عليه الصلاة السلام في غزوة أحد.. فقد قرر الرسول صلي الله عليه وسلم ومعه كبار القوم من ذوي الخبرة السياسية والعسكرية العريقة أن يقاتل المشركين داخل المدينة, وكان هذا الرأي صائبا ودقيقا إذ إن القتال داخل المدن يمثل دفاعا ذاتيا للجيوش الوطنية التي تأوي إليها, ويخصم من قوة العدو المهاجم كما حدث مع فشل الجيش الإسرائيلي في اقتحام السويس ونجاح الجيش الثالث الميداني مع أهل السويس بقيادة الشيخ حافظ سلامة في صد الهجوم علي السويس. فالمدن تقاتل مع أهلها وتذود عنهم, فكتيبة الدبابات في الصحراء لها قوة نيران هائلة ولكنها داخل المدن لا تساوي إلا دبابة واحدة. ولكن شباب الصحابة ممن فاتهم شهود غزوة بدر كانوا متحمسين لقتال المشركين فظلوا يمارسون ضغوطهم علي رسول الله صلي الله عليه وسلم بكل السبل الأدبية والمعنوية حتي رضخ لرأيهم وخرج بجيش المسلمين من المدينة فحدث ما حدث ووقع القتل في خيرة أصحابه وعلي رأسهم أسد الله وأسد رسوله وتم التمثيل بجثثهم. سرحت بخيالي طويلا وتذكرت كيف أن الشباب المتحمس عادة ما يدفع الدعاة والقادة إلي الصدام مع الدولة, ويستكرههم أدبيا ومعنويا, وقد يصف بعض هؤلاء بالجبن والخور والخوف والركون إلي الدنيا إذا لم يصطدموا بدولهم وحكوماتهم. اللهم اهد شباب المسلمين, واجعل حماستهم تمتزج بحكمة وحنكة العلماء والحكماء الذين يدعون بالعفو وينادون بالصلح ويرغبون في العفو ويعشقون حقن الدماء ويحبون السلام ويتصالحون مع الجميع, وينشرون الرفق ويدعون إليه ويبغضون في العنف وينفرون منه.