يا سيدي, أنت الأحق بالحكم, أين حكمتك وصواب رأيك مما يفعله أخوك حسان, ملك اليمن يهتز ويرتج, أنت منقذ اليمن بمثل هذه الكلمات أوحت حاشية عمرو بن تبان له بقتل أخيه حسان ملك اليمن وتوليه الحكم. ألح عليه جميع من حوله إلا رجل يدعي ذي رعين, أبي عليه ذلك ونهاه عنه, فلما رأي إصرارهم ونية عمرو تنفيذ ما يريدون أتاه بصحيفة من جلد غزال مختومة, واستحلفه أن يحفظها بخزينته وألا يفتحها إلا بإذنه, ففعل عمرو. وقع عمرو فريسة سهلة في شرك الإغواء, رغبة محمومة في الملك وتحريض حاشيته له, فطوعت له نفسه قتل أخيه, فقتله, فأصبح من الخاطئين. تولي الحكم, وما أن انفضت احتفالات التنصيب, وغادر المهنئون حتي أفاق من فعلته, يؤنبه ضميره ليل نهار حتي امتنع عليه النوم وآنسه السهر والأرق. شكا عمرو حاله لخلصائه, لم تفلح العقاقير, ولا الأعشاب, ولا الليالي الملاح. أرق علي أرق, حتي أوشك أن يفقد عقله. أسر بحاله إلي أحد الحكماء, فأخبره أن ما من شخص قتل أخاه إلا وحرم النوم. ارتاع عمرو وجن جنونه, وأخذ يتحين الفرصة للفتك بمن أشار عليه قتل أخيه, فقتل من قتل. وذات يوم, رفع سيفه علي ذي رعين فصرخ في وجهه طالبا الصحيفة التي أودعها إياه. أي صحيفة تلك؟, سأله عمرو مشككا, فذكره بها, فأحضرت, فطلب منه ذي رعين أن يقرأ, فقرأ: ألا من يشتري سهرا بنوم سعيد من يبيت قرير عين, فأما حمير غدرت وخانت فمعذرة الإله لذي رعين. صعق عمرو لدي سماعه بيتي الشعر, تداعي جسده, سقط سيفه, الآن يبكي ولسان حاله يقول, من يشتري ملكا بنوم. حاشية عمرو, هم مستشارو اليوم, المساعدون, أهل الثقة, أصحاب الرأي, البطانة, أهل الحل والعقد, النخبة, يحتاجهم كل مسئول وكل صاحب قرار. قدرة المسئول علي الاستماع إلي الكافة, ضم خبرات متنوعة ومتباينة, قدرته علي التحليل والنفاذ إلي الحقائق عبر ما يسمع ويري, وأخيرا اتخاذ القرار وتحمل مسئوليته تحدد دور مستشاريه. هم عيونه التي تقرأ, وقدمه التي تسعي, ويده التي تكتب, وتبطش, وربما تحنو. للحاكم, تحدد الحاشية مستوي ثقة شعبه به, فمتي ضمت رجال أزمات, مخلصين, شرفاء, مترفعين عن المفاسد اطمأن الشعب ووقف خلف قائده يسانده ويشد من أزره. في مجتمعات الشك, وتحت مبدأ الآخرون هم الجحيم كما يقول جان بول سارتر, يقصي الأمير مستشارو سلفه, مضحيا بكل ما يملكون من خبرة, ومستبعدا فكرة المواءمة في الإبقاء عليهم وضم آخرين من أهل ثقته, ليبقي قرار استبعادهم مرتبطا بأدائهم لا بانتماءاتهم. في مجتمعات القبيلة, تتحول الحاشية إلي فرق تتحد بوصلتها تبعا لاهتماماتها, ومن ثم يصبح المجال أكثر تأهبا لصدامات داخلية تلقي بآثارها علي أداء الأمير ومصداقيته لدي شعبه. في المجتمعات الهمجية, تضم الحاشية قتلة محترفين, يبيعون ويشترون طبقا لأهوائه مطمئنين إلي فتاوي وأحكام يعدها فقهاء قانون بارعون في مواءمة المخالف ومخالفة الملائم, مطمئنين إلي سطوته, وإلي شراسة كلابه يوجهها تجاه كل صاحب رأي مخالف. وهناك أيضا حاشية تقدم نفسها بنفسها إلي الأمير, عبر أبواق التلفاز والصحافة والإعلام, يسبحون بمجده, وصواب رأيه, وبعد نظره, ودقيق حكمته آناء الليل وأطراف النهار. أنماط عديدة تتشكل منها طبيعة الحاشية, تلونها, تصبغها, ليظل ذي رعين كالماء بلا لون, ولا طعم, ولا رائحة. قبلته وطنه والإخلاص في النصح. روحا تتألق, وقبسا يهدي حتي بعد إقدام عمرو بن تبان علي قتله.