جلست السيدة الخمسينية بين العشرات من المتقاضين بمحكمة الأسرة بمجمع المحاكم بمنطقة المنشية وسط الإسكندرية في انتظار أن يأتي الدور لنظر قضيتها التي أقامتها ضد نجلها المهندس بإحدي الشركات الخاصة لإلزامه بدفع نفقة شهرية لها ولشقيقته الصغري غير المتزوجة. وبين عشرات القضايا الأخري التي تنظرها المحكمة وما تحمله من مآس عادت السيدة بخيالها ل25 عاما منذ أن توفي زوجها وترك لها أبناءها, طفلا في عمر ال5 سنوات وطفلة لم تتجاوز العامين لترعاهما وتكون لهما بمثابة أم وأب في الوقت ذاته تتحمل شظف العيش ولطمات الحياة وقسوتها لتربيتهما ليكونا لها فيما بعد عونا وسندا في آواخر أيامها. لم يترك لها الأب مالا أو معاشا تستند عليه حيث كان يعمل بائعا باليومية واضطرت للنزول للشارع لتواصل العمل الذي كان يقوم به زوجها لتتمكن من الإنفاق عليهما ورفضت أن تتزوج رغم عمرها الذي لم يكن يتجاوز ال25 عاما وقتها كما رفضت أن يترك أي من أبنائها مدارسهما للعمل وتحملت هي المسئولية كاملة. ومرت الأعوام وكبر الأبناء وتخرجوا من الجامعة الابن الأكبر من كلية الهندسة والابنة من كلية التجارة وعندئذ أحست الأم أن تعب السنين لم يضع هباء وأن الله سيعوضها خيرا في أبنائها وأن الأوان قد آن لها لكي ترتاح. وبالفعل تمكن الابن من العثور علي فرصة عمل مناسبة بإحدي الشركات الخاصة العاملة في مجال المقاولات وهناك تعرف علي ابنة صاحب الشركة والتي أعجب بها وبادلته الشعور نفسه واتفقا علي الزواج وفرحت الأم فها هو حلمها يتحقق وستري أحفادها. ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن, حيث طلبت الفتاة من زوج المستقبل أن يتخلي عن أسرته وينساها في حال أراد الزواج منها قائلة له: أهلك دول مينسبوش وضعك الجديد ولازم تنساهم وهما كمان ينسوك, لم يستطع الشاب أن يرد علي ما فاجأته به حبيبته فهو أمام خيارين إما أن يرفض العرض ويستمر في حياة الفقر أو أن يوافق فينتقل إلي دنيا طالما حلم بها.. واختار الشاب أخيرا طريق الشيطان ووافق علي عرض الفتاة وهو ما لم يستطع إخبار والدته بها وإنما أخبر شقيقته والتي حاولت إثناءه عن الأمر ولكنها فشلت, بينما هبط الخبر علي رأس والدته كالصاعقة مخاطبة نفسها دي أخرتها ابني يتاخد مني ومش هحضر حتي فرحه. ومر وقت وبالفعل نسي الشاب أسرته بينما قررت الأم أن ترفع دعوي قضائية علي نجلها لإلزامه بدفع نفقة شهرية لها ولشقيقته التي لم تتزوج بعد, وعندئذ أفاقت الأم علي صوت القاضي ينادي باسمها لنظر الدعوي التي قامت برفعها وليقطع حبل الذكريات علي السيدة التي نكئت جرحا وأسالت دمعا لتسرح من جديد في صوت القاضي الذي حكم علي ابنها محمد س أ30 عاما بدفع نفقة شهرية لها ولشقيقته بمقدار2000 جنيه حيث يتخطي راتبه حاجز ال6 آلاف جنيه. الإسكندرية