ليس لشهر رجب ميزة عن غيره من الأشهر الحرم, ولم يثبت في فضل العبادة فيه شيء, فلا يخص بعمرة, ولا بصوم, ولا بغيرهما, فهو كسائر الأشهر الحرم. وكل الأحاديث الواردة في فضل الصلاة فيه, أو الصوم فيه فإنها ضعيفة لا يبني عليها حكم شرعي. وقد تضافرت أقوال العلماء والمحدثين في تضعيف هذه الأحاديث: فقال الحافظ ابن الصلاح: لم يثبت في صوم رجب نهي ولا ندب, وأصل الصوم مندوب في رجب, وفي غيره أي: من الأشهر الحرم. وقال الإمام النووي: لم يثبت في صوم رجب ندب ولا نهي بعينه, ولكن أصل الصوم مندوب. وقال ابن رجب: لم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلي الله عليه وسلم, ولا عن أصحابه رضي الله عنهم. وقال المؤمن أحمد الساجي الحافظ: كان عبدالله الأنصاري رحمه الله لا يصوم رجب, وينهي عن ذلك, ويقول: ما صح في فضل رجب وفي صيامه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم شيء. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: كلها أي:( أحاديث فضل صوم رجب, والصلاة فيه) كذب باتفاق أهل العلم. وقال علي بن إبراهيم العطار: إن ما روي من فضل صيام رجب فكله موضوع وضعيف لا أصل له. وقد ألف الحافظ ابن حجر في هذه الأحاديث كتابا, سماه: تبيين العجب بما ورد في شهر رجب, جمع فيه الأحاديث الضعيفة والموضوعة في فضل شهر رجب وفي تخصيص صيامه, أو صيام شيء منه, وقيام ليله. قال الحافظ ابن حجر: لم يرد في فضل شهر رجب, ولا في صيامه, ولا في صيام شيء معين منه, ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة والاستنباط, واشتهر أن أهل العلم يتسمحون في إيراد الأحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعف, مالم تكن موضوعة. وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفا, وأن لا يشتهر ذلك, لئلا يعمل المرء بحديث موضوع أو ضعيف جدا, فيشرع ما ليس بشرع, أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة. وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم, والترمذي, وابن ماجه, وغيرهم أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: من حدث عني بحديث يري أنه كذب فهو أحد الكاذبين فإذا كان هذا جزاء من حدث, فكيف بمن عمل به؟!!!. وتتنوع الأحاديث الواردة في فضل شهر رجب, أو فضل صيامه, أو صيام شيء منه إلي نوعين: أحاديث ضعيفة جدا, وأحاديث موضوعة. منها: حديث:( إن في الجنة نهرا يقال له: رجب, ماؤه أشد بياضا من اللبن, وأحلي من العسل, من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر) وهذا الحديث ضعيف جدا, قال عنه الإمام الذهبي: حديث باطل. وقال ابن الجوزي في كتابه: العلل المتناهية: لا يصح; فيه رواة مجاهيل. ومنها: حديث:( إن في الجنة نهرا يقال له: رجب, ماؤه الرحيق, من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا, أعده الله لصوام رجب) هذا الحديث موضوع, قال الحافظ ابن حجر: في سنده: أبو البركات هبة الله بن المبارك السقطي, فإنه من وضعه. رئيس قطاع أصول الدين بكلية الدراسات العليا بالاقصر