من بين سبعة مشاهد وصف بها الأستاذ محمد حسنين هيكل الوضع في مصر في مصر النهارده مساء السبت, أتوقف طويلا عند المشهد السابع الذي رسمه هيكل واستجمع كل ما لديه من خيال وحبكة درامية ليوجد ما يمكن وصفه بالمعسكر المناهض للثورة, الذي يستعد للانقلاب عليها, مستخدما تعبير الثورة المضادة التي يتأهب أصحابها للثورة علي الثورة. وعن هذا المشهد السابع قال هيكل: آن الأوان لزوال موقع شرم الشيخ نهائيا بسبب استغلال الكثير له, من بينهم الرافضون لخروج الرئيس والحريصون علي وجوده, والذين وصفوه بأنه كنز استراتيجي لإسرائيل, وشرم الشيخ لم تكن يوما منتجعا سياحيا في فترة إقامته بها, وإنما هي خطة تأمين الدولة البوليسية والرئيس من وقت معين, لأنها تعد مكانا مفتوحا لا يستطيع فيها أحد الإمساك به أو الإضرار به, وبعيد عن الكتل السكانية, ومواقع تمركز الجيش, وقريب من البحر, وبه مطار, وقريب من إسرائيل, بالإضافة إلي القوات الأمريكية الموجودة فوق سيناء طبقا لاتفاقية كامب ديفيد شمال شرم الشيخ, وبقاء الرئيس في شرم الشيخ ومن حوله يوجد مركز مناوئ للثورة لا داعي له في هذا الوقت, ومن الممكن أن يؤدي إلي تضارب الولاء. ثم تحدث هيكل بعد ذلك عن اتصالات تتم بين القاهرة وشرم الشيخ لتنفيذ ما سماه الثورة المضادة, ولم ينس الحديث عن قوي أجنبية قال إنها موجودة في شرم الشيخ تعمل من أجل إنجاح هذه الثورة المضادة, ومن المعروف أن هذا المصطلح يجري استخدامه منذ يوم الجمعة, ويجري الترويج له بشدة لحشد الشباب للتظاهر كل يوم جمعة للحفاظ علي مكتسبات الثورة, والدفاع عنها ضد الثورة المضادة. أنا شخصيا لا أري أي ملامح لهذه الثورة المضادة التي اخترعها هيكل من خياله, وبني عليها وسوقها, ثم تلقفها من بعده معسكر القوميين العرب والإسلاميين, المتحدين فيما بينهم منذ سنوات عدة, ولا أعتقد أنه يوجد في مصر من يرتب نفسه لثورة علي الثورة كما يقول هيكل, فكل أركان النظام السابق دون استثناء يرتبون ملفاتهم, ويحاولون الخروج من الوضع الراهن بأقل الخسائر الممكنة, وليس ترتيب ثورة بديلة. ولا أعرف أين يمكن العثور علي أركان وقيادات الثورة المضادة, إذا كان وزراء ورجال أعمال العصر السابق يخضعون جميعا إما للتحقيق, أو الحبس الاحتياطي, أو إجراءات فحص مالية يقوم بها الجهاز المركزي للمحاسبات والرقابة الإدارية وجهاز الكسب غير المشروع بوزارة العدل. أما الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان الذراع السياسي للنظام السابق, فقد حرقت معظم مقاره في أنحاء الجمهورية, واستقالت هيئة مكتب أمانته العامة, ثم عاد أمينه العام الجديد حسام بدراوي واستقال من منصبه قبل ساعة من تخلي الرئيس عن رئاسة الجمهورية, في الوقت نفسه الذي يعمل فيه علي تأسيس حزب سياسي جديد بعيدا عن الحزب الذي استقال عشرات من قادته ومن أعضاء مجلسي الشعب والشوري السابقين, وأعلن شباب بالحزب عن تأسيس حزب سياسي جديد بعيدا عن الحزب الوطني. في الوقت نفسه لا يمكن لأحد الادعاء بأن الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية يمكن أن تشكل رأس حربة الثورة المضادة, فهذا الجهاز لم يلملم نفسه بعد من جراء ما حدث له يومي28 و29 يناير الفائت, كما أن وزير الداخلية الجديد يسعي مع من اختارهم لقيادة الشرطة إلي العودة للشارع للحد من ظاهرة الانفلات الأمني, وتوفير الأمن الشخصي المفقود الذي نعاني منه جميعا حتي الآن. وللأسف الشديد فإن محمود سعد الذي يفترض به أن يدير حوارا موضوعيا, لم يسأل هيكل سؤالا موضوعيا واضحا, وبدا وكأنه يجلس إلي جوار مقرئ قرآن في عزاء في إحدي قري مصر, وكل مهمته أن يشد من أزر المقرئ, ويقول له: الله عليك.. ربنا يفتح عليك يا مولانا.. إلخ. لم يسأل محمود سعد أستاذه هيكل مثلا: ما هي أدلتك علي وجود ثورة مضادة؟ مع من تجري الاتصالات التي تتحدث عنها بين شرم الشيخ والقاهرة؟ من هم الضالعون فيما تسميها الثورة المضادة؟ ما هي أدلتك علي الاتهامات الجزافية التي توزعها يمينا وشمالا؟ أنا شخصيا لم أتوقع من سعد أن يسأل أيا من هذه الأسئلة, فهو جلس أمام هيكل سعيدا مشدوها, وكأنما يسمع كلاما منزلا من السماء, وليس اجتهادات لشخص, يتحدث باعتباره يملك كل الحقيقة, ولديه جميع المعلومات, ويعرف بمفرده ما لا تعرفه أجهزة المخابرات في شتي أنحاء العالم, وبذلك لم نشاهد حوارا صحفيا, وإنما كان من الواضح جدا لنا أننا أمام شخص يصفي حسابات شخصية قديمة لم يستطع نسيانها.