في اجواء الاضطراب والاستقطاب عقب ثورة25 يناير, برزت ظاهرة توفيق عكاشة, الذي كان لافتا للنظر انه يتحدث بطريقة عامية مبسطة للغاية تقوم أساسا علي أسلوب الحواديت وحكايات المصاطب والمقاهي, ويقول كل ما يخطر علي باله مباشرة مهما بدا تافها اوسطحيا.. ومع الوقت تبين ان هذا امر متعمد للتواصل مع جموع ابناء الريف ممن يعتمدون علي الفضائيات كمصدر رئيس لمعارفهم ومعلوماتهم, ومخاطبتهم بطريقة مبسطة تشعرهم بقربه منهم, مع بث رسائل معينة ذات مضامين سياسية محددة.. وكان الدكتور البرادعي من اوائل من تعرضوا لهجمات عكاشة, وانه لا يصلح كسياسي او كمرشح رئاسي باعتباره منفصلا عن هموم الناس. وكان من الطريف أن يعزو هذا إلي أن البرادعي لا يعرف كيفية تزغيط البط او ما هي قيمة الرسوم التي تتقاضاها أسواق المواشي في المناطق المختلفة من ريف الدلتا.. إلخ. تدريجيا انتقل الرجل الي طور اخر, وأظهر قدرا من الفعالية, إذ ثبت أن خطاباته تصل الي شرائح كبيرة من المواطنين, حيث ظهر ذلك في الاستجابة الي نداءاته للخروج الي وقفات احتجاجية أو بعض المؤتمرات الشعبية الحاشدة, خاصة في المدن الاقليمية في الدلتا. ومن هنا بدأ يظهر الخلل وتتبلور المفارقات.. فقد تصور عكاشة انه قد أصبح بطلا شعبيا وقائدا سياسيا كبيرا, في حين انه كان واضحا انه احدي الادوات التي تتم رعايتها وتوجيهها لتسيير هذا المشهد المضطرب ومحاولة اعادة صياغته وتماسكه بعد حالة السيولة غير المسبوقة التي جعلت تنظيما سريا مثل الاخوان لا تصل عضويته الي نصف في المائة من عدد السكان, يستأسد ويكشر عن انيابه ويسعي لوضع البلاد كلها بين خيار التسليم له بالسلطة المطلقة او التحول الي العنف والفوضي. في تلك الاجواء بدا توفيق عكاشة وما يقوم به من دور عملا مقاوما ومرحبا به, اذ ان حالة الاستقطاب كانت قد وصلت الي أقصاها, وعملية الاحتقان قد بلغت حد الغليان.. وانتهي كل ذلك بالخروج الشعبي غير المسبوق في ثورة30 يونيو. غير أن توفيق عكاشة لم يستطع ان يغادر هذه الاجواء التي برز فيها نجمه, ولم يدرك ان ما هو استثنائي لا يمكن ان يظل الي الابد.. وبرغم أنه حصل علي عضوية مجلس النواب باغلبية كاسحة في دائرته, إلا أنه طمح الي مقعد رئاسة المجلس.. ولنتخيل ان برلمان مصر الذي بدأ أولي خطواته في الربع الاخير من القرن التاسع عشر يدار ب الهرتلات العكاشية.. كان عكاشة قد حظي بالتسامح لوقت طويل, وكانت هناك فئات عديدة لا تأخذه علي محمل الجد, باعتباره ظاهرة مرحلية.. ولكن كل ذلك انتهي وتحول إلي مصدر انزعاج هائل مع انقلاب شعبي ضده, حين تجاوز وبدأت هرتلاته تمتد الي السياسة الخارجية والامن القومي والتطبيع مع اسرائيل وعرض حلول مضحكة لازمة المياه في حوض النيل تتمثل في تسليم القط مفتاح الكرار.. وسبق ذلك ايضا هجماته وأقواله غير المبررة تجاه السودان, والتي تنم عن الجهل وعدم الفهم, الامر الذي اثار حالة غير مسبوقة من الاحتقان الشعبي السوداني ضد مصر بحسبان ان هرتلاته تمثل الخطاب المصري. كان الحذاء الذي تلقاه عكاشة في البرلمان وما لقيه ذلك من تأييد شعبي, تعبيرا واضحا عن انتهاء فعالية الظاهرة العكاشية, لا سيما في ظل التحركات الغاضبة من ابناء دائرته التي تطالب بعزله وتصفه بانه اصبح عارا يتبرأون منه.