من المعروف أن أي تغييرات سياسية دولية من شأنها أن يكون لها انعكاساتها الداخلية علي الدول الواقعة في نطاق تفاعلاتها, فإذا حاولنا أن نقرأ مستجدات الساحة العالمية الحالية نلحظ أن هناك حربا عالمية تدور رحاها بين روسياوأمريكا ولكن بشكل مختلف عن تلك التي عرفناها في الحربين السابقتين, فالدب الروسي قد قويت شوكته بحيث أعتقد أنه ليس من المصلحة ترك المجال عالميا مباحا وبكل حرية أمام الأمريكيين, فله مصالحه التي تتعارض مع المصالح الأمريكية, حيث تحاول الأخيرة الامتداد شرقا لمحاصرة وخنق الدب الروسي ومنعه من ان يحلم بإعادة أمجاد الاتحاد السوفيتي القديم الذي يعتقد انه أحق بوراثته, فدارت بينهما نوع من الحروب الجديدة, القوات الروسية استولت علي معظم شبه جزيرة القرم في منطقة جنوب شرق أوكرانيا لمنع محاولات أمريكا حصارها ومد نشر منظومة الصواريخ الدفاعية شرقا, ووقف حصارها اقتصاديا, ثم انتقلت الحرب بينهما إلي منطقة الشرق الأوسط التي كانت ساحة مباحة للنفوذ الأمريكي وخاصة بعد تداعيات ما سمي بالربيع العربي, فاصطدمت المصالح وخاصة علي الساحة الليبية ثم السورية التي شهدت وجودا مكثفا وعلنيا من روسيا وصل لحد التدخل الصريح بعمليات عسكرية استهدفت منع سقوط نظام بشار الأسد ووقف تمدد فصائل المعارضة بالأراضي السورية. ولما كان الاقتصاد الروسي يعتمد بالأساس علي تصدير السلاح والبترول والغاز الطبيعي, فقد انتقلت الحرب بينهما إلي محاولة إضعاف الاقتصاد الروسي لغل يدها عن ان يكون لها دور سياسي خارجي, فدارت محاولات مستترة وصريحة أحيانا من أمريكا لتخفيض سعر البترول والغاز عالميا, والسماح لإيران بتصدير بترولها من جديد بعد عقد المعاهدة المتعلقة ببرنامجها النووي لجعل المعروض منه يزيد عن الطلب العالمي, وذلك بزعم ان الاقتصاد الروسي لنيستطع تحمل الخسارة وسريعا ما ينهار, فتنخفض سعر عملتها الرسمية الروبل وبالتالي ترتفع الأسعار داخلها لاعتمادها علي استيراد أغلب احتياجاتها. ارتفاع الدولار بدأ يؤثر علي حلفاء أمريكا.. قطر لديها عجز موازنة.. وتركيا أيضا والسعودية, والمفروض أن يؤثر ذلك علي أمريكا نفسها لأنه إذا ارتفع سعر الدولار فإن أمريكا لن تتمكن من تصدير أو بيع معظم منتجاتها ومنها بالطبع السلاح, إلا أن الولاياتالمتحدة والتي باتت عملتها هي المقوم العالمي للأسعار عالميا وبها يتكون الاحتياطي النقدي لمعظم دول العالم, ولما كانت أمريكا قد نجحت من قبل في إصدار قانون يفك الارتباط بين سعر الدولار عالميا وقيمة الغطاء الذهبي له, بل يتم تعويم سعره ليتحدد يوميا بالسوق الدولي, لذا فقد تمكنت أمريكا بذكاء شديد من أن تحمل الاقتصاد العالمي أي إنفاق او انخفاض في سعر الدولار, والتالي بات لديها المقدرة علي تحمل أي أعباء اقتصادية جديدة او طارئة, لأن في حقيقة الأمر فإن الذي سيتحمله هو الاقتصاد العالمي وليس أمريكا وحدها, الذي أصبح من مصلحته أن يظل الدولار الأمريكي محتفظا بقيمته. وقد نجحت تلك المعارك في أن تؤتي ثمارها وشهدنا انخفاضا في سعر الروبل ليصبح الدولار ب76.45 روبل, وقد كان الدولار يقدر في عام2014 ب32 روبل فقط, بمعني أن نسبة الزيادة أكثر من الضعف, الدولار ارتفع كذلك أمام الليرة التركي بنسبة47%, وارتفع إجمالا بنسبة114% بمعني أكثر من الضعف منذ عام2011 حتي الآن, وكذلك بقية العملات العالمية الأخري. لذا فإننا إذا أردنا أن نبحث في السبب الأساسي في انخفاض سعر الجنيه المصري بالمقارنة بالعملة العالمية وهي الدولار فإننا يجب ألا نكتفي فقط ببحث الأسباب الداخلية المتعلقة بالاقتصاد المصري والسياسة النقدية وحدهما, ومع الأخذ في الحسبان أيضا الحرب الشرسة التي تدور رحاها ضد مصر من أطراف عدة لتركيعها للعودة من جديد لاستكمال مخطط الشرق الوسط الجديد.