ألف دينار كويتي لكل مواطن. هذا هو ما قررته حكومة الكويت. لم تكتف حكومة الكويت بالألف دينار, لكنها قررت صرف المقررات التموينية لمدة عام كامل للمواطنين بالمجان. الكرم المفاجئ الذي هبط علي الحكومة الكويتية جاء بمناسبة الاحتفال بذكري العيد الوطني والتحرير ومناسبات كثيرة أخري هذا هو ما قالته الحكومة الكويتية, لكن الخبثاء في الكويت وخارجه يرون للأمر علاقة بما حدث في تونس. رائع أن تتحسن دخول الناس ومستويات معيشتهم, لكن الحكومات تخطئ لو تصورت أنها بمثل هذه التصرفات تكسب ود الناس. فالناس لا يريدون رشاوي يحصلون عليها مكرمة من حاكم, حتي وإن قبلوها وفرحوا بها. الرشاوي من هذا النوع تضع الحاكم في موقف الضعف واختلال التوازن, ولا أظنها تكسبه احترام الناس وثقتهم, حتي لو ابتهجوا بالأموال تسقط عليهم من السماء. الناس لا يريدون لقيادتهم أن تكون ضعيفة, لكنهم يريدونها قوية واثقة وعادلة, وهذه هي الصورة التي يجب للقيادة أن تحرص علي إيصالها للناس في كل تصرفاتها. الناس تحب لحكومتهم أن تتصرف بثقة ونزاهة دون أن تدخر جهدا لخدمة الناس, حتي لو انتهي الأمر بحياة متواضعة, فإنها ستكون مقبولة, طالما أن الناس متأكدون أن تقصيرا لم يحدث, وأن هذا هو أقصي ما يمكن تحقيقه. خطأ كبير أن يستنتج البعض من أهل الحكم من أحداث تونس أن تدليل الشعوب هو الحل. قد تستمع الشعوب بالتدليل, وتصفق لمدلليها, لكنها لن تمنحهم ثقة يحتاجونها طالما جاء التدليل من أجل مصلحة وظرف وقتي. التصرفات المبالغ فيها من جانب الحكومات تغري بطلب المزيد, حتي لو لم تكن الظروف تسمح بذلك, فيكون الاختلال والإفلاس بعيد المدي, وتكون الحكومات والشعوب كمن دفعوا مستقبلهم ثمنا لحاضرهم. الناس لا تريد منحة تأتي مرة واحدة, لكنهم يريدون تحسينا يدوم حتي لو لم يكن بالقدر نفسه من السخاء. ليس مهما أن يكون التحسن كبيرا أو باذخا, ولكن المهم أن يكون منتظما ووفقا لقواعد يمكن فهمها بشفافية. الناس لا تريد حاكما أو حكومة تتعامل معهم بكرم, ولكن يكفيهم أن يجدوا موظفا حكوميا ورجل شرطة كفئا ومتواضع يحترم كرامة الناس حتي وهو يوقع عليهم عقوبة تطبيقا للقانون. الناس يريدون دولة قانون, ولا يريدون فوضي المنح والعطايا أو الفوضي الثورية حتي لو كانت لها رائحة الياسمين.