ناقش الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية المصري والدكتور جوزيف ستيجليتز الحائز علي جائزة نوبل وأستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا الأمريكية آثار الإصلاحات الواسعة للاقتصاد الكلي في مصر في لقاء حواري عقد في القاهرة واستغرق يوما واحدا. تضمن اللقاء حوارا دار بين بطرس غالي وستيجليتز ولجنة ضمت أربعة من قادة الأعمال البارزين الذين ألقوا الضوء علي الإصلاحات المذكورة, وقد شارك في النقاش أحمد المغربي وزير الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية, والدكتور علي المصيلحي وزير التضامن الاجتماعي, والدكتور أحمد درويش وزير الدولة للتنمية الإدارية, وأبو بكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في حضور لفيف من كبار قادة الفكر. ومنذ أوائل تسعينات القرن الماضي نفذت مصر سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي هدفت أولا إلي تحقيق الاستقرار في الاقتصاد, وبعد ذلك إلي زيادة النمو والقدرة التنافسية. وتعيش مصر أوقاتا حاسمة بعدما أرست الإصلاحات التي أجريت في السنوات العشرين الماضية أساسا لمستقبل قوي حيث حققت مصر نجاحا ملحوظا في السنوات القليلة الماضية إلا أن التحديات لا تزال قائمة مما يقدم لنا الفرصة لمناقشة دور الإصلاحات وتحديد طريق المضي قدما'. وفي الجلسة الافتتاحية, تحدث الدكتور يوسف بطرس غالي الذي يرأس اللجنة الوزارية الاقتصادية المسئولة عند الإشراف علي تصميم برامج الإصلاح الاقتصادي في مصر وتنفيذها, عن الحاجة إلي مواصلة السير في طريق الإصلاح. لكنه تناول أيضا صعوبة القيام بذلك وتعقيداته, لاسيما فيما يتعلق ببعض القضايا الشائكة التي تتناول تقديم الدعم المالي الحكومي لأسعار الطاقة والمواد الغذائية. ففي حين أنه يمكن معالجة مسألة الدعم من منظور مالي, فإنه من واجب الحكومة حماية الفئات الاجتماعية المحرومة. وقال في هذا الصدد:' الدعم هو عنصر مهم من عناصر سياستنا الاقتصادية, ونعلم أنه لا يتمتع بالكفاءة اللازمة. ونعلم أنه يحتاج إلي إصلاح. ولكن علينا أن نفعل ذلك بطريقة تحافظ علي ما حققناه حتي الآن'. من جهته, لاحظ الدكتور ستيجليتز, الحائز علي جائزة نوبل للاقتصاد عام2001 كبير الخبراء الاقتصاديين ونائب الرئيس الأسبق للبنك الدولي, أنه خلافا للاعتقاد الشائع بأن' اقتصاد إعادة توزيع الدخول' يمكن جميع مستويات المجتمع من الاستفادة من النمو, فإن' إعادة توزيع الدخول' يتطلب جهدا, وأن الحكومة المصرية ملتزمة بإيجاد وسيلة فعالة لمساعدة40% من السكان ممن يعيشون علي أقل من دولارين يوميا. أما الموضوع المهم الذي أثير في الجلسة الثانية فهو الحاجة إلي إدماج' الاقتصاد الهامشي' في مصر في القطاع الخاص المعلن, وهو أمر تعوقه البيروقراطية التي لاتزال موجودة علي الرغم من الإصلاحات الأخيرة. وهنا قالت الدكتورة مني ذوالفقار المحامية:' المؤسسات صغيرة والمتوسطة الحجم ليس لديها حافز للانتقال إلي القطاع الرسمي. نحن بحاجة إلي نظام مختلف يكون أبسط وأسهل'. وثمة قضية أخري مهمة بالنسبة لمجتمع الأعمال في مصر وهي التخفيف من حدة الفقر وبناء طبقة وسطي قوية. وهنا قال حاتم دويدار الخبير الاقتصادي ان' الناس في قاع المجتمع يواجهون صعابا وهناك حاجة لتضافر الجهود لتمكين الحكومة من إعادة توزيع الدخول علي جميع شرائح المجتمع ووصول النمو الاقتصادي إليها مع وجود أثر إيجابي مباشر للتخفيف من حدة الفقر'. لكنه استدرك مضيفا أن العولمة والاستثمارات الجديدة تعيد بناء الطبقة الوسطي من خلال خلق فرص العمل. وكان النمو الأخير الذي حققته مصر والذي أطلقته الإصلاحات الاقتصادية الواسعة وعملية التحرير الاقتصادي, هو الأكبر في البلاد منذ سنوات: يعود الفضل لهذه الإصلاحات في الوصول إلي اقتصاد مستقر مع نمو متواصل بلغ نحو5% علي مدي العقد الماضي, مما سمح للبلاد بتحسين تصنيفها في العديد من المؤشرات الاقتصادية. غير أن الاقتصاد يواجه تحديات علي المديين المتوسط والطويل. وعلي الحكومة تحقيق التوازن فيما يتعلق بالتكاليف المتزايدة لدعم المواد الغذائية والطاقة وكذلك التعامل مع تزايد العجز في الميزانية نحو8.4% من الناتج المحلي الإجمالي. وتتزامن هذه التحديات مع الحاجة إلي تحسين قدرة مصر علي جذب الاستثمارات الأجنبية. وتحتاج مصر أيضا إلي معالجة المسألة الديموجرافية في ظل الطفرة المقبلة في الشباب, مع ازدياد حجم القوة العاملة في مصر لأكثر من20 مليون شخص علي مدي السنوات ال25 المقبلة: علي الرغم من نجاح البلاد في خلق400 ألف فرصة عمل جديدة سنويا علي مدي السنوات القليلة الماضية, فإنها سوف تحتاج إلي إيجاد750 ألف فرصة عمل جديدة سنويا علي مدي سنوات عدة مقبلة. وفيما يتعلق بالاولوبات الملحة في مصر خلال الفترة المقبلةأكد جوزيف علي التركيز عليها في السنوات المقبلة لمواجهة هذه التحديات. وقال:' أولا, يجب أن تركز مصر علي تحسين إنتاجية العمل, وهو أمر يعتمد علي تحسين فرص الحصول علي التعليم وكذلك نوعية التعليم. ثانيا, يجب علي البلاد إعادة توجيه الدعم, بما في ذلك المواد الغذائية والطاقة سعيا لتحرير الموارد من أجل أغراض أخري. ثالثا, يجب أن تعزز مصر سهولة ممارسة الأعمال. وأخيرا فإنه علي البلاد أن تواصل الاستثمار في البنية التحتية, وهو ما من شأنه تحسين سلسلة التوريد في البلاد وبالتالي خفض التكاليف'. وخلص إلي أن هذه التدابير ستجعل مصر قادرة علي الحفاظ علي مكانتها القوية بين البلدان النامية ومواصلة سجلها الحافل بالنمو.